الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وحكي أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزويج فيأبى برهة من دهره قال : فانتبه من نومه ذات يوم وقال : زوجوني زوجوني ، فزوجوه ، فسئل عن ذلك فقال : لعل الله يرزقني ولدا ويقبضه فيكون لي مقدمة في الآخرة ثم قال : رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وكأني ، في جملة الخلائق في الموقف وبي من العطش ما كاد أن يقطع عنقي ، وكذا الخلائق في شدة العطش والكرب فنحن كذلك إذ ولدان يتخللون الجمع عليهم مناديل من نور وبأيديهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب وهم يسقون الواحد بعد الواحد يتخللون الجمع ويتجاوزون أكثر الناس فمددت يدي إلى أحدهم وقلت : اسقني فقد أجهدني العطش فقال : ليس لك فينا ولد إنما نسقي آباءنا ، فقلت ومن : أنتم ؟ فقالوا : نحن من مات من أطفال المسلمين .

وأحد المعاني المذكورة في قوله تعالى : فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم تقديم الأطفال إلى الآخرة فقد ظهر بهذه الوجوه الأربعة أن أكثر فضل النكاح لأجل كونه سببا للولد .

التالي السابق


(وحكي أن بعض الصالحين) ولفظ " القوت ": وبلغني أن بعض الصالحين (كان يعرض عليه التزويج فيأبى) أي: يمتنع عنه (برهة من دهره) أي: مدة (قال: فانتبه من نومه ذات يوم قال: زوجوني، فزوجوه، فسئل عن ذلك فقال: لعل الله يرزقني ولدا فيقبضه) إليه (فيكون لي مقدمة في الآخرة) أي: فرطا وذخرا، (ثم) حدث عن سبب ذلك (قال: رأيت في المنام) ولفظ " القوت ": في نومي (كأن القيامة قد قامت، وكنت في جملة الخلائق في الموقف وبي من العطش ما كاد أن يقطع عنقي، وكذا الخلائق في شدة العطش) من الحر (والكرب فنحن [ ص: 300 ] كذلك إذا ولدان) صغار (يتخللون الجمع) أي: يشقون في خلالهم (عليهم مناديل من نور) أي: على رؤوسهم (وبأيديهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب) جمع كوب بالضم، وهو كوز مستدير الرأس لا أذن له. ويقال: قدح لا عروة له، (وهم يسقون الواحد بعد الواحد يتخللون الجمع ويجاوزون أكثر الناس فمددت يدي إلى أحدهم وقلت: اسقني) شربة (فقد أجهدني العطش) أي: أوقعني في الجهد، (فقال: ليس لك فينا ولد إنما نسقي آباءنا، فقلت: من أنتم ؟ فقالوا: نحن من مات من أطفال المسلمين) ، أورده صاحب "القوت " بتمامه، (وأحد المعاني المذكورة في القرآن: فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم ) وقد اختلف في " أنى " هنا فقيل بمعنى كيف، وقيل: بمعنى شيء، وقيل: بمعنى أين وسيأتي الكلام على ذلك ثم عطف على الإتيان قوله: وقدموا لأنفسكم وفيه وجوه ثلاثة:

أحدها: النكاح لما فيه من فضل الاغتسال من الجنابة؛ لأنه له بكل قطرة حسنة، ولما فيه من فضل مباشرة المرأة، فإن الرجل إذا لاعب امرأته أو داعبها أو قبلها كتب الله له من الحسنات ما شاء الله ولما في ذلك من التحصين لهما ووضع النطفة محلها .

الثاني: وقدموا لأنفسكم قيل: تقديم الأطفال إلى الآخرة لأنهم من أعمالكم .

الثالث: قيل المراد به التسمية عند الجماع أي: اذكروا الله عنده، فذلك تقدمه لكم، (فقد ظهر بهذه الوجوه الأربعة أن أكثر فضل النكاح لأجل كونه سببا للولد) أي: لحصوله .




الخدمات العلمية