الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                مسألة : ما يؤتى من الولائم

                                                                                                                قال صاحب " المقدمات " : هي خمسة أقسام : واجبة الإجابة إليها ، وهي الوليمة في النكاح ، لأمره عليه السلام بذلك ; ومستحب الإجابة ، وهي المأدبة ، وهي الطعام يعمل للجيران للوداد ; ومباحة الإجابة ، وهي التي تعمل من غير قصد مذموم كالعقيقة للمولود ، والنقيعة للقادم من السفر ، والوكيرة لبناء الدار ، والخرس للنفاس ، والإعذار للختان ، ونحو ذلك : ومكروه ، وهي ما يقصد بها [ ص: 345 ] الفخر ، والمحمدة ، لاسيما أهل الفضل ، والهيئات ; لأن إجابة مثل ذلك يخرق الهيبة ، وقد قيل : ما وضع أحد يده في قصعة أحد إلا ذل له ; ومحرم الإجابة ، وهي ما يفعله الرجل لمن يحرم عليه قبول هديته كأحد الخصمين للقاضي .

                                                                                                                مسألة : في المساجد وما تنزه عنه

                                                                                                                قال الله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال ) فتنزه عما عدا هذا ، وفي " المقدمات " : تنزه المساجد عن عمل الصناعات ، وأكل الألوان ، والمبيت فيها إلا من ضرورة للغرباء ، ومن الوضوء فيها ، واللغط ، ورفع الصوت ، وإنشاد الضالة ، والبيع ، والشراء ، وتقليم الأظفار ، وقص الشعر ، والأقذار كلها ، والنجاسات ، وقال عليه السلام : " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسل سيوفكم ورفع أصواتكم ، واجعلوا مطاهركم على أبوابها " ، وفي الكتاب : يكره أن يبني الرجل المسجد ويبني فوقه بيتا ، قال صاحب الطراز : ظاهره المنع ، عمله للسكن ، أو مخزنا ; لأن هواء المسجد مسجد ، وله حكم المساجد في الحرمة ، فلا يجامع ، ولا يبال فيه ، ويأكل ما لا يزفر ، ولا يجمع الذباب ، وخفف في مساجد القرى في الطعام ، والمبيت للأضياف .

                                                                                                                قال مالك : لا يؤدب في المسجد ، وجوز مالك التعزير بالأسواط اليسيرة بخلاف الكثيرة ، والحدود ، وجوز قضاء الدين بخلاف البيع والصرف ; لأنه معروف ، وجوز أن يساوم رجلا ثوبا عليه ، أو سلعة تقدمت رؤيتها ، وجوز مالك كتب المصحف فيه ، وكره سحنون تعليم الصبيان فيه ، قال الباجي : إن منعه لعلة التوقي جازت كتابة المصحف ، أو لأنه صنعة منعت كتابة المصحف .

                                                                                                                قال مالك في " الكتاب " : لا يورث المسجد ، قال ابن القاسم بخلاف البنيان [ ص: 346 ] تحت المسجد ، قال سند : إن بنيت مسجدا ، فأراد أحد أن يبني تحته مسجدا منع لتعين النفقة للمسجد ، وإن بنيت مسجدا على شرف ، فأراد آخر أن ينقب تحته بيتا منع إلا بحكم حاكم ; لأنه من حقوق المسجد ، فإن رأى الحاكم أن ينقب بيتا يرتفق به المسجد جاز ، ولا يكون لهذا البيت حرمة المسجد ، بل يدخله الحائض ، والجنب ، بخلاف سطح المسجد ، فإن المسجد يرفع في السماء ، ولا ينزل في الأرض ، ولهذا يجوز التنفل في الكعبة ، وعلى ظهرها ، ولو كان تحتها مطمورة ، أو سرب امتنع التنفل .

                                                                                                                قال : وقوله : " لا يورث المسجد " محمول على ما إذا أباحه للناس ، أما إذا بنى في بيته مسجدا ليصلي فيه ، ولا يبيحه للناس يجمع فيه أهل بيته ومن يتضيف به ، فيورث ، ويغير ; لأنه ملكه ، قال الطرطوشي : ومما أحدثه الناس من البدع في المساجد المحاريب ، وكره الصلاة فيه النخعي ، وسفيان ، وغيرهما ، قال عليه السلام : " ما أمرت بتشييد المساجد " ، قال ابن عباس : أما والله لنزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى ، وقال عليه السلام لما قيل له في مسجده : بل عريش كعريش أخي موسى ، ثمام ، وخشبات والأمر أعجل من ذلك ، وقال علي رضي الله عنه : إذا زينوا مساجدهم فسدت أعمالهم ، قال مالك : وكره الناس ما عمل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من الذهب ، والفسيفساء ، يعني الفصوص ; لأنه مما يشغل عن الصلاة بالنظر إليه ، قال مالك : ولا يكتب في جدار المسجد قرآن ، ولا غيره ، قال صاحب " البيان " : تحسين بناء المساجد ، وتجصيصها مستحب ، والمكروه تزويقها بالذهب ، وغيره ، والكتابة في قبلتها ، ولابن نافع ، وابن وهب : تزيين المساجد وتزويقها بالشيء الخفيف مثل الكتابة في قبلتها ما لم يكثر حتى يصل للزخرفة المنهي عنها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية