الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائة

فمن الحوادث فيها :

تولية الرشيد الفضل بن يحيى كور الجبال ، وطبرستان ، ودنباوند ، وقومس ، وأرمينية ، وأذربيجان .

وفيها : ظهر يحيى بن عبد الله بن حسن بالديلم ، فاشتدت شوكته ، وقوي أمره ، ونزع إليه الناس من الأمصار والكور ، فاغتم لذلك الرشيد ، وندب إليه الفضل بن يحيى في خمسين ألفا ، ومعه صناديد القواد ، فاستخلف منصور بن زياد بباب أمير المؤمنين يجري الكتب على يديه ، ثم مضى وحمل معه الأموال ، وكاتب صاحب الديلم وجعل له ألف ألف درهم على أن يسهل خروج يحيى ، فأجاب يحيى إلى الصلح [والخروج ] على أن يكتب له الرشيد أمانا بخطه على نسخة يبعث بها إليه . فكتب الفضل بذلك إلى الرشيد ، فسره وكتب أمانا ليحيى بن عبد الله ، وأشهد [عليه ]

[ ص: 17 ] الفقهاء والقضاة وجلة [بني هاشم ] مشايخهم منهم : عبد الصمد بن علي ، والعباس بن محمد ، ومحمد بن إبراهيم ، وموسى بن عيسى ، ومن أشبههم ووجه به مع جوائز وكرامات وهدايا فوجه الفضل بذلك إليه ، فقدم يحيى عليه ، وورد به الفضل بغداد ، فلقيه الرشيد بكل ما أحب ، وأمر له بمال كثير ، وأجرى له أرزاقا سنية ، وأنزله منزلا سريا بعد أن أقام في منزل يحيى بن خالد أياما ، وكان يتولى أمره بنفسه ، ولا يكل ذلك إلى غيره ، وأمر الناس بإتيانه والسلام عليه بعد انتقاله عن منزل يحيى ، وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة الشاعر في الفضل :


ظفرت فلا شلت يد برمكية رتقت بها الفتق الذي بين هاشم     على حين أعيا الراتقين التئامه
فكفوا وقالوا ليس بالمتلائم     فأصبحت قد فازت يداك بخطة
من المجد باق ذكرها في المواسم     وما زال قدح الملك يخرج فائزا
لكم كلما ضمت قداح المساهم



ثم إن الرشيد دعا يحيى بن عبد الله وعنده أبو البختري القاضي ومحمد بن الحسن الفقيه ، وأحضر كتاب الأمان الذي أعطاه يحيى ، فقال لمحمد بن الحسن : ما تقول في هذا الأمان ، أصحيح هو ؟ قال : نعم ، فحاجه الرشيد في ذلك . فقال له محمد بن الحسن : ما يصنع بالأمان لو كان محاربا ثم ولي وكان آمنا . فسأل أبا البختري أن ينظر في الأمان ، فقال أبو البختري : هذا منتقض من وجه كذا ومن وجه كذا ، فقال الرشيد : أنت قاضي القضاة وأنت أعلم بذلك ، فمزق الأمان وتفل فيه أبو البختري ، وقام يحيى ليمضي إلى الحبس . فقال له الرشيد : انصرف ، أما ترون به أثر علة الآن ، إن [ ص: 18 ] مات قال الناس سموه ؟ ! فقال يحيى : كلا ما زلت عليلا منذ كنت في الحبس وقبله . فما مكث بعد هذا إلا شهرا حتى مات .

التالي السابق


الخدمات العلمية