الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة أربع وسبعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أن ابن بهمنيار كاتب خمارتكين الشرابي اجتمع مع السلطان ، وتكلم على نظام الملك وقال إنه سرق من الأموال كل سنة سبعمائة ألف دينار ، وأقام وجوها بها في كل بلد ، وضمن أصبهان بزيادة سبعين ألف دينار ، فأخذت من يد ضامنها وسلمت إليه ، وجاء في أثناء هذا رجل صوفي إلى نظام الملك ، فأخرج له قرصين وسأله أن يتبرك بأكل شيء منهما ، وذكر أنهما فاضل إفطار بعض الزهاد هناك فلما مد يده إليهما أومأ إليه صوفي آخر بأن لا تفعل ، فإنهما مسمومان ، وهما من دسيس ابن بهمنيار ، فاختبر أفصح ذلك فيهما ، وأخذ الصوفي ليقتل فمنع نظام الملك من ذلك وبره بشيء ، وشكا ذلك إلى السلطان فقال ابن بهمنيار في الجواب: هذه موضوعة علي لتكون سببا إلى إبعادي عن السلطان ، وتضييع المال الذي أقمت وجوهه ، فصدق السلطان قوله ولم يسمع فيه ، ثم آل الأمر إلى أن كحل وكفي النظام أمره .

وفي يوم الخميس حادي عشر ذي الحجة: توفي داود ولد السلطان جلال الدولة [ ص: 217 ] بأصفهان ، فلحقه عليه ما زاد على المعهود ، ولم يسمع بأمثاله ، ورام قتل نفسه دفعات ، فمنعه خواصه ، ومنع من أخذه وغسله لقلة صبره على فراقه ، إلى أن تغير فمكن من ذلك ، وامتنع عن المطعم والمشرب ، ونزع أثواب الصبر ، وأغلق أبواب السلو ، وجز الأتراك والتركمان شعورهم ، وكذلك نساء الحشم والحواشي والخيول ، وأقام أهل البلد المأتم في المنازل والأسواق ، وبقيت الحال على هذا سبعة أيام ، وخرج السلطان بعد شهر إلى الصيد وكتب بخطه رقعة يقول فيها: أما أنا يا ولدي داود فقد خرجت إلى الصيد ، وأنت غائب عني ، وعندي من الاستيحاش لفراقك والانزعاج لبعدك عني ، والبكاء على أخذك مني ، ما أسهر ليلى ، ونغص عيشي ، وقطع كبدي ، وضاعف كمدي ، فأخبر أنت بعدي مالك وحالك ، وما غير البلى منك ، وما فعل الدود بجسمك ، والتراب بوجهك وعينك ، وهل عندك علي مثل ما عندي ، وهل بلغ الحزن بك ما بلغ بي ، فوا شوقاه إليك ، ووا حسرتاه عليك ، ووا أسفا على ما فات منك .

وحملت الرقعة إلى نظام الملك فقرأها وبكى بكاء شديدا ، وجمع الوجوه والمحتشمين وقصد بهم القبر ، وقرأ الرقعة عليه وارتج المكان بالبكاء والعويل ، وتجدد الحزن في البلد واللطم وعادت المصيبة كأول يوم ، وجلس الوزير أبو العميد الدولة للعزاء في صحن السلام ثلاثة أيام أولها يوم السبت لثلاث بقين من ذي الحجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية