الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة خمس وسبعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه في يوم الثلاثاء حادي عشر صفر ورد بشير أن السلطان جلال الدولة أجاب إلى تزويج ابنته من الخليفة ، وأن فخر الدولة أخذ يده على ذلك ، وكان الخليفة قد تقدم إلى الوزير فخر الدولة بالخروج إلى أصبهان لذلك ، فخرج ومعه الهدايا والألطاف بنحو من عشرين ألف دينار ، فوصل إلى أصبهان ، فخرج نظام الملك والأمراء فاستقبلوه ، واتفق أن توفي داود ابن السلطان ، وانزعج السلطان لذلك ، فلما انقضى الشهر خاطب فخر الدولة نظام الملك في هذا فقال: ما استقر في هذا شيء ، فإن رأيتم أن تجردوا الطلب من والدة الصبية . فقيل له: أنت الذي تتولى هذا . فمضى إليها فقال لها : إن أمير المؤمنين راغب في ابنتك . فقالت: قد رغب إلي في هذا ملك غزنة [بابنه] وغيره من الملوك ، وبذل كل واحد أربعمائة ألف دينار ، فإن أعطاني أمير المؤمنين هذا القدر كان هو أحب إلي ، فقال لها: رغبة أمير المؤمنين لا تقابل بهذا .

وجرى في ذلك مراجعات انتهت إلى تسليم خمسين ألف دينار عن حق الرضاع ، وهذه عادة الأتراك عند التزويج ، ومائة ألف دينار بكتب المهر . فقيل لها: ما في صحبتنا مال معجل ونحن نحصل ها هنا عشرة آلاف ، وننفذ من بغداد أربعين ألفا . فوقع الرضا بهذا ، وشرع في تحصيل العشرة آلاف ، فلم يكن لها وجه ، وعرف السلطان ذلك فتقدم [ ص: 223 ] بتأخيره لينفذ الكل من بغداد . وقالت خاتون: إذا ملكت ابنتي بأمير المؤمنين فأريد أن يخرج إلي أمه وعمته وجدته ، ومن يجري مجراهن من أهل بيته ، والمحتشمون من أهل دولته ، وأحضر خواتين غزنة ، وسمرقند ، وخراسان ، ووجوه البلاد ، ويكون العقد بمحضرهم . فطلب الوزير فخر الدولة أن تعطيه يدها على ذلك لتقع الثقة ، فأعظم نظام الملك عندها أن تردها بغير قضاء حاجته ، فأذن السلطان في ذلك وأعطى يده ، وكانت من خاتون اقتراحات منها: أن لا يبقى في دار الخليفة سرية ولا قهرمانة ، وأن يكون مقامه عندها .

[وصول مؤيد الملك إلى بغداد]

ووصل في جمادى الآخرة مؤيد الملك إلى بغداد ، فخرج الموكب لتلقيه إلى النهروان ، وخرج إليه أبو العميد الدولة فلقيه في الحلبة ، وضربت له الدبادب والبوقات في وقت الفجر والمغرب والعشاء بإزاء دار الخلافة ، فثقل ذلك ، وروسل حتى تركه .

وفي يوم الأحد سلخ شعبان: وجدت امرأة مقتولة ملقاة في درب الدواب ، فاستدعي صاحب المعونة والحارس ، وأمر بالاستكشاف عن هذا ، فقال بعض المجتازين: هاهنا إنسان أعرج يخبز القطائف ، يعرف هذه الأمور . فاستدعوه وتقدموا إليه بالبحث عن هذا فذكر أن بعض المماليك الأتراك فعل هذا ، فأحضر الغلام فأنكر [وبهته الأعرج] فقال بعض الرجالة: على المرأة آثار تبن وهذا يدل على أنها قتلت في موضع فيه تبن . فقيل له: فتش الدور هناك ، فبدأ بدار الأعرج ، فرأى التبن ، فنبش تحت الدرجة فوجد حليا ودنانير كانت مع المرأة ، فبهت الأعرج وحمل إلى الوزير فاستخلاه ولطف به ، فأقر بأنه في هذه الليلة جمع بين هذه المرأة وبين رجل ، وأنها أخذت من الرجل قراريط ، وأنه طالبها بأجرته فقالت: خذ ما تريد . فوقع عليها [ ص: 224 ] فقتلها ، وأخذ ما معها من الحلي والدنانير ، ورمى بها ، فسمع الشهود إقراره بذلك فحبس ، وحضرت ابنة المرأة وطالبت بقتله فقتل في يوم السبت سادس رمضان بالحلبة ، ودفن هناك .

وفي شوال: تكاملت عمارة جامع القصر المتصل بدار الخلافة ، وبني ما كان فيه خرابا ، وأوسع وعمل له منبر جديد ، وقد كان فخر الدولة عمل فيه سقاية ، وأجرى فيها الماء من داره في قنى تحت الأرض ، وجعل لها فوارات ، فانتفع الناس بذلك منفعة عظيمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية