الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في الفعلين ( قطع يد رجل ثم قتله أخذ بالأمرين ) أي بالقطع والقتل .

( ولو كانا عمدين أو ) كانا ( خطأين أو ) كانا ( مختلفين ) أي أحدهما عمد والآخر خطأ تخلل بينهما برء أو لا فيؤخذ بالأمرين في الكل بلا تداخل ( إلا في الخطأين لم يتخلل بينهما برء ) فإنهما يتداخلان ( فيجب فيهما دية واحدة ) وإن تخلل برء لم يتداخلا كما علمت . فالحاصل أن القطع إما عمد أو خطأ والقتل كذلك صار أربعة ، ثم إما أن يكون بينهما برء أو لا صار ثمانية وقد علم حكم كل منها ( كمن ضربه مائة سوط فبرأ من تسعين ولم يبق أثرها ) أي أثر الجراحة ( ومات من عشرة ) ففيه دية واحدة ، لأنه لما برأ من تسعين لم تبق معتبرة إلا في حق التعزير ، وكذلك كل جراحة اندملت ولم يبق لها أثر عند أبي حنيفة . وعن أبي يوسف في مثله حكومة عدل ، وعن محمد تجب أجرة الطبيب وثمن الأدوية درر وصدر شريعة وهداية وغيرها .

( وتجب حكومة ) عدل [ ص: 562 ] مع دية النفس ( في مائة سوط جرحته وبقي أثرها ) بالإجماع لبقاء الأثر ووجوب الأرش باعتبار الأثر هداية وغيرها

وفي جواهر الفتاوى : رجل جرح رجلا فعجز المجروح عن الكسب يجب على الجارح النفقة والمداواة .

وفيها : رجل جاء بعوان إلى رجل فضربه العوان فعجز عن الكسب فمداواة المضروب ونفقته على الذي جاء بالعوان ا هـ . قال المصنف : وظاهر أنه مفرع على قول محمد .

قلت : وقدمناه معزيا للمجتبى أبي يوسف ونحوه ، وسنحققه في الشجاج .

التالي السابق


فصل في الفعلين أخره ; لأنه بمنزلة المركب من المفرد ( قوله ولو كانا عمدين ) الصواب إسقاط الواو لتكون لو شرطية ; لأنها مع الواو تكون وصلية فتفيد أنه يؤخذ بالأمرين في جميع الصور فيناقض قوله إلا في الخطأين إلخ تأمل ( قوله فيؤخذ بالأمرين في الكل ) قال في الكفاية ، اعلم أنه لا يخلو القطع والقتل من أن يتخلل بينهما برء أو لا ، فإن تخلل يعتبر كل فعلا . ويؤخذ بموجبهما ; لأن الموجب الأول تقرر بالبرء فلا يدخل أحدهما في الآخر حتى لو كانا عمدين فللولي القطع والقتل ، ولو خطأين يجب دية ونصف دية ، ولو القطع عمدا والقتل خطأ ففي اليد القود وفي النفس الدية ، ولو بالعكس ففي اليد نصف الدية وفي النفس القود ، وإن لم يتخلل برء فلو أحدهما عمدا والآخر خطأ اعتبر كل على حدة ، ففي الخطإ الدية ، وفي العمد القود ، ولو خطأين فالكل جناية واحدة اتفاقا فتجب دية واحدة ، ولو عمدين ، فعندهما يقتل ولا يقطع . وعنده إن شاء الولي قطع وقتل ، إن شاء قتل ، ولا يعتبر اتحاد المجلس وهو الظاهر .

وروي عن نصر بن سلام أنه كان يقول الخلاف فيما إذا قطع يده في مجلس وقتله في آخر ، فلو في مجلس واحد يقتل ولا يقطع عندهم ا هـ ملخصا ( قوله إلا في الخطأين ) استثناء من قوله أخذ بالأمرين طوري ( قوله فتجب فيهما دية واحدة ) أي دية القتل ، ; لأن دية القطع إنما تجب عند استحكام أثر الفعل وهو أن يعلم عدم السراية ، وتمامه في ابن كمال ( قوله صار ثمانية ) وكل منهما إما من شخص واحد أو شخصين صار ستة عشر ، فإن كانا من شخصين يفعل بكل واحد منهما موجب فعله من القصاص وأخذ الأرش مطلقا ; لأن التداخل إنما يكون عند اتحاد المحل لا غير عناية ( قوله فبرئ من تسعين إلخ ) هذا إذا ضرب عشرة في موضع وتسعين في موضع آخر فبرئ موضع التسعين وسرى موضع العشرة ، وإلا لا يمكن الفرق بين سراية العشرة وبرء التسعين معراج ( قوله وعن أبي يوسف في مثله حكومة عدل ) أي مع الدية رملي ( قوله وتجب حكومة عدل ) تفسيرها أنه لو كان عبدا مجروحا بهذا كم قيمته وبدون الجراحة كم قيمته ، فيضمن التفاوت الذي [ ص: 562 ] بينهما في الحر من الدية وفي العبد من القيمة كفاية ( قوله مع دية النفس ) فيه أن المسألة مفروضة فيما إذا بقي أثر الجراحة ولا يكون ذلك إلا بعد البرء ولذا قيد المسألة في الملتقى بقوله ولم يمت ( قوله فعجز المجروح عن الكسب ) أي مدة الجرح .

وانظر ما لو عجز عن الكسب أصلا . والظاهر أنه بعد الحكم بموجبه من الأرش أو حكومة العدل لا يجب شيء ط ( قول جاء بعوان ) المراد به الواحد من أتباع الظلمة ، والأولى التعبير بالعون فإنه كما في القاموس الظهير للواحد والجمع والمؤنث ويكسر أعوانا ا هـ ; لأنه يظاهر الظالم ويعينه . وفي البزازية : أفتوا بأن قتل الأعونة والسعاة جائز في أيام الفتنة ط ملخصا ( قوله والظاهر أنه ) أي أن ما في جواهر الفتاوى مفرع على قول محمد أي على ما روي عن محمد كما تقدم من أن الجراحة التي لم يبق لها أثر تجب فيها أجرة الطبيب وثمن الأدوية أفاده الرملي ، فافهم ، هذا .

وفي الفتاوى النعمية لشيخ مشايخنا السائحاني : إذا ضرب يد غيره فكسرها وعجز عن الكسب فعلى الضارب المداواة والنفقة إلى أن يبرأ ، وإذا برئ وتعطلت يده وشلت وجبت ديتها ، والظاهر أنه يحسب المصروف من الدية ا هـ .

وفيها : المجروح إذا صح وزال الأثر فعلى الجارح ما لحقه من أجرة الطبيب وثمن الأدوية ، وهو قولهما والاستحسان ذكره الصدر ا هـ ملخصا تأمل ، ويأتي في الشجاج إن شاء الله تعالى ( قوله وقدمنا ) أي في الباب السابق ( قوله نحوه ) أي نحو ما عن محمد ( قوله وسنحققه في الشجاج ) أي في آخر بابها وحاصله أن قول أبي يوسف عليه أرش الألم هو المراد من قول محمد المتقدم




الخدمات العلمية