الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا اشترى دارا شراء فاسدا وقبضها وبناها فللبائع قيمتها وينقطع حقه في الاسترداد عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا ينقطع حقه في الاسترداد ، ولكن يهدم بناء المشتري فيرد الدار على البائع ; لأنه بنى في بقعة غيره أحق بتملكها منه فينقض بناءه للرد على صاحب الحق ، كالمشتري إذا بنى في الشقص المشفوع وهذا ; لأن البناء بيع لحق الثابت في الأصل بصفة التأكيد لا يبطل بمعنى في البيع ، ثم حق البائع في الاسترداد أقوى من حق الشفيع ، ألا ترى أنه لا يبطل بالسكوت ، ولا يسقط بإسقاط البائع ، وإن ذلك مستحق له وعليه شرعا ، ثم بناء المشتري في ملكه ينقض لحق الشفيع مع ضعفه فلأن ينقض بحق البائع في الاسترداد كان أولى أرأيت لو هدم المشتري بناءه ألم يكن للبائع أن يسترده ، وهذا لا وجه لمنعه ، فالمشتري إذا وجد بها عيبا بعد ما رفع بناءه كان له أن يردها بالعيب فلأن يردها بفساد البيع كان أولى ، وهذا بخلاف حق الواهب في الرجوع ، فهو حق ضعيف فيسقط بمعنى في البيع كما يسقط بحدوث الزيادة المتصلة وبموت أحدهما وأبو حنيفة يقول : بنى في ملك نفسه بتسليط من له الحق ، فلا ينقض بناؤه لحقه ، كالموهوب له يبني في الدار الموهوبة وبيان الوصف أن الحق في الاسترداد للبائع ، فهو الذي سلط المشتري على هذا البناء بإيجاب الملك له فيها

والبيع ، وإن فسد شرعا ، فالتسليط من البائع بقي معتبرا في حقه ، والدليل عليه أن سائر تصرفات [ ص: 148 ] المشتري من البيع ، والهبة ، والصدقة لا تنقض لحق البائع في الاسترداد وما كان ذلك إلا باعتبار تسليطه إياه على ذلك ، وبه فارق الشفيع ، فإنه لم يوجد منه تسليط المشتري على التصرف ; ولهذا ينقض سائر تصرفات المشتري لحق الشفيع فكذلك ينقض بناؤه وإذا عرفنا هذا ، فنقول : عندهما لا يجب للشفيع فيها الشفعة لبقاء حق البائع في الاسترداد وعند أبي حنيفة يجب للشفيع فيها الشفعة ; لأن حق البائع في الاسترداد قد انقطع فيأخذها الشفيع بقيمتها وينقض بناء المشتري لحق الشفيع وهما بهذا الحرف يستدلان على أبي حنيفة فيقولان : لا قرار لهذا البناء بالاتفاق ، بل رفعه مستحق إما لحق البائع ، أو لحق الشفيع وأبو حنيفة يقول : لهذا البناء قرار في حق البائع ، فإنه حصل بتسليط فينقطع به حق البائع في الاسترداد ، ولكن لا قرار له في حق الشفيع ، فيكون له أن ينقضه للأخذ بالشفعة ، وهو بمنزلة تصرف آخر من المشتري فيها ، كالبيع ، والهبة ، والصدقة ، فإنه يقطع حق البائع في الاسترداد ، ثم ينقض ذلك التصرف لحق الشفيع يقول : فإن باعها المشتري بيعا صحيحا فللشفيع الخيار إن شاء أخذها بالبيع الثاني بالثمن المسمى ، وإن شاء أبطل البيع الثاني وأخذها بالبيع الأول بالقيمة لاجتماع سببين فيها لثبوت حق الأخذ له ، فيأخذ بأي السببين شاء ، وهما يفرقان بين هذا وبين البناء ويقولان : تصرف المشتري هنا حصل في غير ما هو مملوك له بالعقد الفاسد وفي البناء حقه في البيع ; لأن البناء بيع للأصل وفي هذا القول إشكال ، فالشفيع إذا نقض البيع الثاني ، فقد صار ذلك كأن لم يكن وقيل البيع الثاني يرد على البائع الأول ، ولا شفعة فيها فكذلك بعد ما انتقض البيع الثاني من الأصل ، ولكن الجواب عنه أن البيع الثاني من الأصل الثاني صحيح مزيل لملك المشتري ، وإنما ينقض لحق الشفيع فما يكون من مقتضيات حق الشفيع لا يصلح أن يكون مبطلا حقه في الأخذ بالشفعة ، وإن اشتراها شراء فاسدا ولم يقبضها حتى بيعت دار إلى جنبها فللبائع أن يأخذ هذه الدار بالشفعة ; لأن الأول في ملكه بعد ، فيكون جارا بملكه الدار الأخرى ، فإن سلمها إلى المشتري بطلت شفعته ; لأنه أزال جواره باختياره قبل الأخذ بالشفعة ، ولا شفعة فيها للمشتري ; لأن جواره محدث بعد بيع تلك الدار .

التالي السابق


الخدمات العلمية