الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا اشترى دارا فغرق نصفها فصار مثل الفرات يجري فيه الماء ، ولا يستطاع رد ذلك عنها فللشفيع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن إن شاء ; لأن حقه ثابت في الكل ، وقد تمكن من أخذ البعض فيأخذه بحصته من الثمن اعتبارا للبعض بالكل والشافعي في كتابة يدعي المناقضة علينا في هذا الفصل ويقول : إنهم زعموا أنه إذا احترق البناء لم يسقط شيء من الثمن عن الشفيع وإذا غرق بعض الأرض سقط حصته من الثمن فكأنهم اعتبروا فعل الماء دون النار ، وإنما قال ذلك لقلة الفقه ، والتأمل ، فإن البناء وصف وتبع ، وليس بمقابلة الوصف شيء من الثمن إذا فات من غير صنع أحد ، فأما بعض الأرض ليس بتبع للأرض ، فلا بد من إسقاط حصة ما غرق من الثمن عن الشفيع ، أو تأخر ذلك إلى أن يتمكن من أخذه ، والانتفاع به ، فإن قال المشتري ذهب منها الثلث وقال الشفيع ذهب النصف ، فالقول قول المشتري ويأخذها الشفيع بثلثي الثمن إن شاء ، فإن أقاما البينة فهذا ومسألة قيمة البناء سواء في التخريج على ما بينا

وكذلك لو استحق رجل بعضها وسلم الشفعة وطلبها الجار بالشفعة أخذ ما بقي بحصته من الثمن ، والقول قول المشتري في مقدار المستحق من الباقي ; لأن الشفيع يدعي حق التملك عليه في الباقي بثمن ينكره المشتري ، ولا شفعة في الشراء الفاسد ; لأن وجوب الشفعة تعتمد انقطاع حق البائع وعند فساد البيع حق البائع لم ينقطع ; ولأن في إثبات حق الأخذ للشفيع تقرير للبيع الفاسد ، وهو معصية ، والتقرير على المعصية معصية ، فإن سلمها المشتري للشفيع بالثمن الذي أخذها به وسماه له جاز ذلك ; لأن التسليم بالشفعة سمي بغير قضاء في حكم البيع المبتدأ ولو باعه المشتري ابتداء جاز بيعه وكان عليه قيمة الدار فكذلك إذا سلمها للشفيع ، ألا ترى أنه لو ورث دارا فسلمها للشفيع بألف درهم كان ذلك بيعا منه ولو اشترى بيعا منقولا [ ص: 116 ] فطلب الشفيع بالشفعة فسلم كان ذلك بيعا مبتدأ فهذا مثله وإذا مات الشفيع بعد البيع قبل أن يأخذ بالشفعة لم يكن لوارثه حق الأخذ بالشفعة عندنا وعند الشافعي له ذلك ، والكلام في هذه المسألة نظير الكلام في خيار الشرط ، وقد بيناه في البيوع ، فإن عنده كما تورث الأملاك فكذلك تورث الحقوق اللازمة ما يعتاض عنها بالمال وما لا يعتاض في ذلك سواء بطريق أن الوارث يقوم مقام المورث ، وإن حاجة الوارث كحاجة المورث ونحن نقول مجرد الرأي ، والمشيئة لا يتصور فيه الإرث ; لأنه لا يبقى بعد موته ; ليخلفه الوارث فيه ، والثابت له بالشفعة مجرد المشيئة بين أن يأخذ ، أو يترك ، ثم السبب الذي به كان يأخذ بالشفعة تزول بموته ، وهو ملكه وقيام السبب إلى وقت الأخذ شرط لثبوت حق الأخذ له ، ألا ترى أنه لو أزاله باختياره بأن باع ملكه قبل أن يأخذ البعض المشفوع لم يكن له أن يأخذ بالشفعة فكذلك إذا زال بموته ، والثابت للوارث جوازا ، أو شركة حادثة بعد البيع ، فلا يستحق به الشفعة وهذا ; لأن استحقاق الشفعة بسبب ينبني على صفة الملكية ; ولهذا لا يثبت حق الأخذ بالشفعة لجار السكنى وصفة الملكية تتجدد للوارث بانتقال ملك المورث إليه ، فلا يجوز أن يستحق الشفعة بهذا السبب ولو كان بيع الدار بعد موته كان له فيها الشفعة ; لأن الملك انتقل بالموت إلى الوارث بسبب الاستحقاق ، وهو الجوار عند بيع الدار كان للوارث

والمعتبر قيام السبب عند البيع لا قبله وإذا مات المشتري ، والشفيع حي فله الشفعة ; لأن المستحق باق وبموت المستحق عليه لم يتغير سبب الاستحقاق ولم يبع في دينه ووصيته ; لأن حق الشفيع مقدم على حقه ، فيكون مقدما على حق من ثبت حقه من جهته أيضا ، وهو الغريم ، والموصى له ، فإن باعها القاضي ، أو الوصي في دين الميت فللشفيع أن يبطل البيع ويأخذها بالشفعة كما لو باعها المشتري في حياته ، ولا يقال بيع القاضي حكم منه فكيف ينقضه الشفيع ; لأن القاضي إنما باعها إما لجهله بحق الشفيع ، أو بناء على أنه ربما لا يطلب الشفعة ، فإذا طلبها كان بيعه باطلا ; ولأن هذا منه قضاء بخلاف الإجماع ، فقد أجمعوا على أن للشفيع حق نقض تصرف المشتري ، وإنما يبيعه القاضي في دين المشتري ووصيته بطريق النيابة عنه ، وكذلك لو أوصى فيه بوصية أخذها الشفيع وبطلت الوصية ; لأنه لو تبرع بها في حياته بالهبة كان للشفيع أن يبطل ذلك كله فكذلك إذا تبرع بها بعد موته بالوصية .

التالي السابق


الخدمات العلمية