الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا اشترى الذمي من الذمي دارا بخمر وتقابضا ثم صارت خلا وأسلم البائع والمشتري ثم استحق نصف الدار ، فنقول : إن كان المشتري هو الذي أسلم ولم يسلم البائع أو أسلم البائع بعد إسلام المشتري أو أسلما معا بقي النصف المستحق ويأخذ المشتري نصف الخل فقط ; لأن بالاستحقاق ينتقض العقد من الأصل وخمر المسلم لا يكون مضمونا على الكافر ، فهو كما لو غصب من مسلم خمرا فتخللت ، فإنه يأخذ الخل ، ولا شيء له غيره ، فأما في النصف الذي لم يستحق المشتري بالخيار لبعض الملك عليه ، فإن اختار فسخ العقد رجع بنصف الخل ; لما بينا أن الخمر لا تكون مضمونة له على أحد ، وهذا إذا كانت الخمر بعينها

فإن كانت بغير عينها ، فلا خيار له في النصف الباقي ; لأنه لو ردها ردها بغير شيء ، ولا سبيل له على الخل ; لأن العقد ما يتناول هذا بعينه وإنما تناول خمرا في الذمة فعند الفسخ يعود حقه في ذلك والخمر لا يجوز أن يكون دينا للمسلم على آخر ، فأما [ ص: 170 ] إذا كان البائع هو الذي أسلم دون المشتري أو أسلم البائع أولا ثم المشتري فكذلك الجواب عند أبي يوسف ، فأما على ما رواه زفر وعاقبه عن أبي حنيفة من الفرق بين إسلام الطالب والمطلوب ، فنقول : في النصف المستحق بالخيار إن شاء أخذ نصف الخل وإن شاء ضمن البائع نصف الخمر ; لأنه يتبين أن البيع في هذا النصف كان باطلا والخمر تكون مضمونة للكافر على المسلم وقد تغير المقبوض في يده حين تخللت ، فإن شاء رضي بالتغير وبأخذ نصف الخل وإن شاء ضمنه نصف قيمة الخمر وفي النصف الذي لم يستحق يتخير لبعض الملك ، فإن فسخ العقد وكانت الخمر بعينها تخير بين أن يأخذ بنصف الخل وبين أن يرجع بنصف قيمة الخمر للتغير في ضمان البائع وإن كان الخمر بغير عينها ، فإذا فسخ العقد رجع بنصف قيمة الخمر لا غير ; لأن العقد ما يتناول هذا العين وعند الفسخ إنما يرجع بما يتناوله العقد فلهذا يرجع بنصف قيمة الخمر ، فإن كان البائع قد استهلك الخل ففي المعين له أن يرجع عليه بمثله ; لأن الخل من ذوات الأمثال وإن لم يقدر على مثله ، فالرجوع بقيمته وهو على التخريج الذي بينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية