الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جلس ]

                                                          جلس : الجلوس : القعود . جلس يجلس جلوسا ، فهو جالس [ ص: 177 ] من قوم جلوس وجلاس ، وأجلسه غيره . والجلسة : الهيئة التي تجلس عليها - بالكسر - على ما يطرد عليه هذا النحو ; وفي الصحاح : الجلسة الحال التي يكون عليه الجالس ، وهو حسن الجلسة . والمجلس - بفتح اللام - المصدر ، والمجلس : موضع الجلوس ، وهو من الظروف غير المتعدي إليها الفعل بغير في ، قال سيبويه : لا تقول : هو مجلس زيد . وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس ) ; قيل : يعني مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرئ : في المجالس ، وقيل : يعني بالمجالس مجالس الحرب ، كما قال تعالى : مقاعد للقتال . ورجل جلسة مثال همزة أي : كثير الجلوس . وقال اللحياني : هو المجلس والمجلسة ، يقال : ارزن في مجلسك ومجلستك . والمجلس : جماعة الجلوس ; أنشد ثعلب :


                                                          لهم مجلس صهب السبال أذلة سواسية أحرارها وعبيدها



                                                          وفي الحديث : وإن مجلس بني عوف ينظرون إليه ; أي : أهل المجلس على حذف المضاف . يقال : داري تنظر إلى داره إذا كانت تقابلها ، وقد جالسه مجالسة وجلاسا . وذكر بعض الأعراب رجلا فقال : كريم النحاس ، طيب الجلاس . والجلس والجليس والجليس : المجالس ، وهم الجلساء والجلاس ، وقيل : الجلس يقع على الواحد ، والجمع والمذكر والمؤنث . ابن سيده : وحكى اللحياني أن المجلس والجلس ليشهدون بكذا وكذا ، يريد أهل المجلس ، قال : وهذا ليس بشيء ، إنما هو على ما حكاه ثعلب من أن المجلس الجماعة من الجلوس ، وهذا أشبه بالكلام ; لقوله : الجلس الذي هو لا محالة اسم لجمع فاعل في قياس قول سيبويه ، أو جمع له في قياس قول الأخفش . ويقال : فلان جليسي وأنا جليسه ، وفلانة جليستي ، وجالسته فهو جلسي وجليسي ، كما تقول خدني وخديني ، وتجالسوا في المجالس . وجلس الشيء : أقام ; قال أبو حنيفة : الورس يزرع سنة فيجلس عشر سنين أي : يقيم في الأرض ولا يتعطل ، ولم يفسر يتعطل . والجلسان : نثار الورد في المجلس . والجلسان : الورد الأبيض . والجلسان : ضرب من الريحان ; وبه فسر قول الأعشى :


                                                          لها جلسان عندها وبنفسج     وسيسنبر والمرزجوش منمنما
                                                          وآس وخيري ومرو وسوسن     يصبحنا في كل دجن تغيما



                                                          وقال الليث : الجلسان دخيل ، وهو بالفارسية كلشان . غيره : والجلسان ورد ينتف ورقه وينثر عليهم . قال : واسم الورد بالفارسية جل ، وقول الجوهري : هو معرب كلشان ، هو نثار الورد . وقال الأخفش الجلسان قبة ينثر عليها الورد والريحان . والمرزجوش : هو المردقوش ، وهو بالفارسية أذن الفأرة ، فمرز فأرة ، وجوش أذنها ، فيصير في اللفظ فأرة أذن بتقديم المضاف إليه على المضاف ، وذلك مطرد في اللغة الفارسية ، وكذلك دوغ باج للمضيرة ، فدوغ لبن حامض وباج لون أي : لون اللبن ، ومثله سكباج فسك خل وباج لون ، يريد لون الخل . والمنمنم : المصفر الورق ، والهاء في عندها يعود على خمر ذكرها قبل البيت ; وقول الشاعر :


                                                          فإن تك أشطان النوى اختلفت بنا     كما اختلف ابنا جالس وسمير



                                                          قال : ابنا جالس وسمير طريقان يخالف كل واحد منهما صاحبه . وجلست الرخمة : جثمت . والجلس : الجبل . وجبل جلس إذا كان طويلا ; قال الهذلي :


                                                          أوفى يظل على أقذاف شاهقة     جلس يزل بها الخطاف والحجل



                                                          والجلس : الغليظ من الأرض ، ومنه جمل جلس وناقة جلس أي : وثيق جسيم . وشجرة جلس وشهد جلس أي : غليظ . وفي حديث النساء : بزولة وجلس . ويقال : امرأة جلس للتي تجلس في الفناء ولا تبرح ; قالت الخنساء :


                                                          أما ليالي كنت جارية     فحففت بالرقباء والجلس
                                                          حتى إذا ما الخدر أبرزني     نبذ الرجال بزولة جلس
                                                          وبجارة شوهاء ترقبني     وحم يخر كمنبذ الحلس



                                                          قال ابن بري : الشعر لحميد بن ثور ، قال : وليس للخنساء كما ذكر الجوهري ، وكان حميد خاطب امرأة فقالت له : ما طمع أحد في قط ، وذكرت أسباب اليأس منها فقالت : أما حين كنت بكرا فكنت محفوفة بمن يرقبني ويحفظني محبوسة في منزلي لا أترك أخرج منه ، وأما حين تزوجت وبرز وجهي فإنه نبذ الرجال الذين يريدون أن يروني بامرأة زولة فطنة ، تعني نفسها ثم قالت : ورمي الرجال أيضا بامرأة شوهاء أي : حديدة البصر ترقبني وتحفظني ، ولي حم في البيت لا يبرح كالحلس الذي يكون للبعير تحت البرذعة أي : هو ملازم للبيت كما يلزم الحلس برذعة البعير ، يقال : هو حلس بيته إذا كان لا يبرح منه . والجلس : الصخرة العظيمة الشديدة . والجلس : ما ارتفع عن الغور ، وزاد الأزهري فخصص : في بلاد نجد . ابن سيده : الجلس نجد سميت بذلك . وجلس القوم يجلسون جلسا : أتوا الجلس ، وفي التهذيب : أتوا نجدا ; قال الشاعر :


                                                          شمال من غار به مفرعا     وعن يمين الجالس المنجد



                                                          وقال عبد الله بن الزبير :


                                                          قل للفرزدق والسفاهة كاسمها     إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس

                                                          أي ائت نجدا ; قال ابن بري : البيت لمروان بن الحكم ، وكان مروان وقت ولايته المدينة دفع إلى الفرزدق صحيفة يوصلها إلى بعض عماله وأوهمه أن فيها عطية ، وكان فيها مثل ما في صحيفة المتلمس ، فلما خرج عنالمدينة كتب إليه مروان هذا البيت :

                                                          [ ص: 178 ]

                                                          ودع المدينة إنها محروسة     واقصد لأيلة أو لبيت المقدس
                                                          ألق الصحيفة يا فرزدق إنها     نكراء مثل صحيفة المتلمس



                                                          وإنما فعل ذلك خوفا من الفرزدق أن يفتح الصحيفة فيدري ما فيها فيتسلط عليه بالهجاء . وجلس السحاب : أتى نجدا أيضا قال ساعدة بن جؤية :


                                                          ثم انتهى بصري وأصبح جالسا     منه لنجد طائف متغرب



                                                          وعداه باللام ; لأنه في معنى عامدا له . وناقة جلس : شديدة مشرفة شبهت بالصخرة ، والجمع أجلاس ; قال ابن مقبل :


                                                          فأجمع أجلاسا شدادا يسوقها     إلي إذا راح الرعاء رعائيا



                                                          والكثير جلاس ، وجمل جلس كذلك ، والجمع جلاس . وقال اللحياني : كل عظيم من الإبل والرجال جلس . وناقة جلس وجمل جلس : وثيق جسيم ; قيل : أصله جلز ، فقلبت ، الزاي سينا ، كأنه جلز جلزا أي : فتل حتى اكتنز واشتد أسره ; وقالت طائفة : يسمى جلسا لطوله وارتفاعه . وفي الحديث : أنه أقطع بلال بن الحارث معادن الجبلية غوريها وجلسيها ; الجلس : كل مرتفع من الأرض ; والمشهور في الحديث : معادن القبلية - بالقاف - وهي ناحية قرب المدينة ، وقيل : هي من ناحية الفرع . وقدح جلس : طويل ، خلاف نكس ; قال الهذلي :


                                                          كمتن الذئب لا نكس قصير     فأغرقه ولا جلس عموج



                                                          ويروى غموج ، وكل ذلك مذكور في موضعه . والجلسي : ما حول الحدقة ، وقيل : ظاهر العين ; قال الشماخ :


                                                          فأضحت على ماء العذيب وعينها     كوقب الصفا جلسيها قد تغورا

                                                          ابن الأعرابي : الجلس الفدم ، والجلس البقية من العسل تبقى في الإناء . ابن سيده : والجلس العسل ، وقيل : هو الشديد منه ; قال الطرماح :


                                                          وما جلس أبكار أطاع لسرحها     جنى ثمر بالواديين وشوع

                                                          قال أبو حنيفة : ويروى وشوع ، وهي الضروب . وقد سمت جلاسا وجلاسا ; قال سيبويه عن الخليل : هو مشتق ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية