الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جدح ]

                                                          جدح : المجدح : خشبة في رأسها خشبتان معترضتان ، وقيل : المجدح ما يجدح به ، وهو خشبة طرفها ذو جوانب . والجدح والتجديح : الحوض بالمجدح يكون ذلك في السويق ونحوه . وكل ما خلط فقد جدح . وجدح السويق وغيره واجتدحه : لته وشربه بالمجدح . وشراب مجدح أي : مخوض ، واستعاره بعضهم للشر فقال :


                                                          ألم تعلمي يا عصم كيف حفيظتي إذا الشر خاضت جانبيه المجادح



                                                          الأزهري عن الليث : جدح السويق في اللبن ونحوه إذا خاضه بالمجدح حتى يختلط ؛ وفي الحديث : انزل فاجدح لنا ؛ الجدح : أن يحرك السويق بالماء ويخوض حتى يستوي ، وكذلك اللبن ونحوه . قال ابن الأثير : والمجدح عود مجنح الرأس يساط به الأشربة ، وربما يكون له [ ص: 89 ] ثلاث شعب ؛ ومنه حديث علي - رضي الله عنه - : جدحوا بيني وبينهم شربا وبيئا أي : خلطوا . وجدح الشيء خلطه ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          فنحا لها بمدلقين كأنما     بهما من النضح المجدح أيدع



                                                          عنى بالمجدح الدم المحرك . يقول : لما نطحها حرك قرنه في أجوافها . والمجدوح : دم كان يخلط مع غيره فيؤكل في الجدب ، وقيل : المجدوح دم الفصيد كان يستعمل في الجدب في الجاهلية ؛ قال الأزهري : المجدوح من أطعمة الجاهلية ؛ كان أحدهم يعمد إلى الناقة فتفصد له ، ويأخذ دمها في إناء فيشربه . ومجاديح السماء : أنواؤها ، يقال : أرسلت السماء مجاديحها ؛ قال الأزهري : المجدح في أمر السماء ، يقال : تردد ريق الماء في السحاب ؛ ورواه عن الليث ، وقال : أما ما قاله الليث في تفسير المجاديح : إنها تردد ريق الماء في السحاب فباطل ، والعرب لا تعرفه : وروي عن عمر - رضي الله عنه - : أنه خرج إلى الاستسقاء فصعد المنبر فلم يزد على الاستغفار حتى نزل ، فقيل له : إنك لم تستسق ! فقال : لقد استسقيت بمجاديح السماء . قال ابن الأثير : الياء زائدة للإشباع ، قال : والقياس أن يكون واحدها مجداح ، فأما مجدح فجمعه مجادح ؛ والذي يراد من الحديث أنه جعل الاستغفار استسقاء بتأول قول الله - عز وجل - : استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ؛ وأراد عمر إبطال الأنواء والتكذيب بها ؛ لأنه جعل الاستغفار هو الذي يستسقى به لا المجاديح ، والأنواء التي كانوا يستسقون بها . والمجاديح : واحدها مجدح ، وهو نجم من النجوم كانت العرب تزعم أنها تمطر به ، كقولهم : الأنواء ، وهو المجدح أيضا ، وقيل : هو الدبران ؛ لأنه يطلع آخرا ويسمى حادي النجوم ؛ قال درهم بن زيد الأنصاري :


                                                          وأطعن بالقوم شطر الملو     ك حتى إذا خفق المجدح



                                                          وجواب إذا خفق المجدح في البيت الذي بعده وهو :


                                                          أمرت صحابي بأن ينزلوا     فناموا قليلا وقد أصبحوا



                                                          ومعنى قوله : وأطعن بالقوم شطر الملوك أي : أقصد بالقوم ناحيتهم ؛ لأن الملوك تحب وفادته إليهم ؛ ورواه أبو عمرو : وأطعن - بفتح العين - وقال أبو أسامة : أطعن بالرمح - بالضم - لا غير وأطعن بالقول - بالضم والفتح - وقال أبو الحسن : لا وجه لجمع مجاديح إلا أن يكون من باب طوابيق في الشذوذ ، أو يكون جمع مجداح ، وقيل : المجدح نجم صغير بين الدبران ، والثريا حكاه ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          باتت وظلت بأوام برح     يلفحها المجدح أي لفح
                                                          تلوذ منه بجناء الطلح     لها زمجر فوقها ذو صدح



                                                          زمجر : صوت ، كذا حكاه - بكسر الزاي - وقال ثعلب : أراد زمجر - فسكن - فعلى هذا ينبغي أن يكون زمجر ، إلا أن الراجز لما احتاج إلى تغيير هذا البناء غيره إلى بناء معروف ، وهو فعل كسبطر وقمطر ، وترك فعللا - بفتح الفاء ؛ لأنه بناء غير معروف ، ليس في الكلام مثل قمطر - بفتح القاف - . قال شمر : الدبران يقال له المجدح والتالي والتابع ، قال : وكان بعضهم يدعو جناحي الجوزاء المجدحين ، ويقال : هي ثلاثة كواكب كالأثافي ، كأنها مجدح له ثلاث شعب يعتبر بطلوعها الحر ؛ قال ابن الأثير : وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر فجعل عمر - رضي الله عنه - الاستغفار مشبها للأنواء مخاطبة لهم بما يعرفونه ، لا قولا بالأنواء ، وجاء بلفظ الجمع ؛ لأنه أراد الأنواء جميعا التي يزعمون أن من شأنها المطر . وجدح : كجطح وسيأتي ذكره .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية