الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جون ]

                                                          جون : الجون : الأسود اليحمومي ، والأنثى جونة . ابن سيده : الجون الأسود المشرب حمرة ، وقيل : هو النبات الذي يضرب إلى السواد من شدة خضرته ; قال جبيهاء الأشجعي :


                                                          فجاءت كأن القسور الجون بجها عساليجه والثامر المتناوح

                                                          القسور : نبت ، وبجها عساليجه ؛ أي : أنها تكاد تنفتق من السمن . والجون أيضا : الأحمر الخالص . والجون : الأبيض ، والجمع من كل ذلك جون - بالضم - ونظيره ورد وورد . ويقال : كل بعير جون من بعيد ، وكل لون سواد مشرب حمرة جون أو سواد يخالط حمرة كلون القطا ; قال الفرزدق :


                                                          وجون عليه الجص فيه مريضة     تطلع منها النفس والموت حاضره

                                                          يعني الأبيض ههنا يصف قصره الأبيض ; قال ابن بري : قوله فيه مريضة يعني امرأة منعمة قد أضر بها النعيم وثقل جسمها وكسلها ، وقوله : تطلع منها النفس ؛ أي : من أجلها تخرج النفس ، والموت حاضره ؛ أي : حاضر الجون ; قال : وأنشد ابن بري شاهدا على الجون الأبيض قول لبيد :


                                                          جون بصارة أقفرت لمزاده     وخلا له السوبان فالبرعوم

                                                          قال : الجون هنا حمار الوحش ، وهو يوصف بالبياض ; قال : وأنشد أبو علي شاهدا على الجون الأبيض قول الشاعر :


                                                          فبتنا نعيد المشرفية فيهم     ونبدئ حتى أصبح الجون أسودا

                                                          قال : وشاهد الجون الأسود قول الشاعر :


                                                          تقول خليلتي لما رأتني     شريحا بين مبيض وجون

                                                          وقال لبيد :


                                                          جون دجوجي وخرق معسف

                                                          وذهب ابن دريد وحده إلى أن الجون يكون الأحمر أيضا ; وأنشد :


                                                          في جونة كقفدان العطار

                                                          ابن سيده : والجونة الشمس لاسودادها إذا غابت ، قال : وقد يكون لبياضها وصفائها ، وهي جونة بينة الجونة فيهما . وعرضت على الحجاج درع ، وكانت صافية ، فجعل لا يرى صفاءها ، فقال له أنيس الجرمي ، وكان فصيحا : إن الشمس لجونة ، يعني أنها شديدة البريق والصفاء ، فقد غلب صفاؤها بياض الدرع ; وأنشد الأصمعي :


                                                          غير يا بنت الحليس لوني     طول الليالي واختلاف الجون
                                                          وسفر كان قليل الأون

                                                          يريد النهار ; وقال آخر :


                                                          يبادر الجونة أن تغيبا

                                                          وهو من الأضداد . والجونة في الخيل : مثل الغبسة والوردة ، وربما همز . والجونة : عين الشمس ، وإنما سميت جونة عند مغيبها ; لأنها تسود حين تغيب ; قال الشاعر :


                                                          يبادر الجونة أن تغيبا

                                                          قال ابن بري : الشعر للخطيم الضبابي ، وصواب إنشاده بكماله كما قال :


                                                          لا تسقه حزرا ولا حليبا     إن لم تجده سابحا يعبوبا
                                                          ذا ميعة يلتهم الجبوبا     يترك صوان الصوى ركوبا
                                                          بزلقات قعبت تقعيبا     يترك في آثاره لهوبا
                                                          يبادر الأثآر أن تئوبا     وحاجب الجونة أن يغيبا
                                                          كالذئب يتلو طمعا قريبا

                                                          يصف فرسا يقول : لا تسقه شيئا من اللبن إن لم تجد فيه هذه الخصال ، والحزر : الحازر من اللبن وهو الذي أخذ شيئا من الحموضة ، والسابح : الشديد العدو ، واليعبوب : الكثير الجري ، والميعة : النشاط والحدة ، ويلتهم : يبتلع ، والجبوب : وجه الأرض ، ويقال ظاهر الأرض ، والصوان : الصم من الحجارة ، الواحدة صوانة ، والصوى : الأعلام ، والركوب : المذلل ، وعنى بالزالقات حوافره ، واللهوب : جمع لهب ; وقوله :


                                                          يبادر الأثآر أن تئوبا

                                                          [ ص: 246 ] الأوب : الرجوع ، يقول : يبادر أثآر الذين يطلبهم ليدركهم قبل أن يرجعوا إلى قومهم ، ويبادر ذلك قبل مغيب الشمس ، وشبه الفرس في عدوه بذئب طامع في شيء يصيده عن قرب فقد تناهى طمعه ، ويقال للشمس جونة بينة الجونة . وفي حديث أنس : جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه بردة جونية ، منسوبة إلى الجون وهو من الألوان ويقع على الأسود والأبيض ، وقيل : الياء للمبالغة كما يقال في الأحمر أحمري ، وقيل : هي منسوبة إلى بني الجون ، قبيلة من الأزد .

                                                          وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : لما قدم الشام أقبل على جمل عليه جلد كبش جوني ؛ أي : أسود ; قال الخطابي : الكبش الجوني هو الأسود الذي أشرب حمرة ، فإذا نسبوا قالوا : جوني - بالضم - كما قالوا في الدهري دهري ; قال ابن الأثير : وفي هذا نظر إلا أن تكون الرواية كذلك . والجوني : ضرب من القطا ، وهي أضخمها تعدل جونية بكدريتين ، وهن سود البطون ، سود بطون الأجنحة والقوادم ، قصار الأذناب ، وأرجلها أطول من أرجل الكدري ; وفي الصحاح : سود البطون والأجنحة وهو أكبر من الكدري ، ولبان الجونية أبيض ، بلبانها طوقان أصفر وأسود ، وظهرها أرقط أغبر ، وهو كلون ظهر الكدرية ، إلا أنه أحسن ترقيشا تعلوه صفرة . والجونية : غتماء لا تفصح بصوتها إذا صاحت إنما تغرغر بصوت في حلقها . قال أبو حاتم : ووجدت بخط الأصمعي عن العرب : قطا جؤني مهموز ; قال ابن سيده : وهو عندي على توهم حركة الجيم ملقاة على الواو ، فكأن الواو متحركة بالضمة ، وإذا كانت الواو مضمومة كان لك فيها الهمز وتركه في لغة ليست بتلك الفاشية ، وقد قرأ أبو عمرو : ( عادا لولى ) ، وقرأ ابن كثير : ( فاستغلظ فاستوى على سؤقه ) ، وهذا النسب إنما هو إلى الجمع ، وهو نادر ، وإذا وصفوا قالوا قطاة جونة ، وقد مر تفسير الجوني من القطا في ترجمة " كدر " . والجونة : جونة العطار ، وربما همز ، والجمع جون - بفتح الواو - وقال ابن بري : الهمز في جؤنة وجؤن هو الأصل والواو فيها منقلبة عن الهمزة في لغة من خففها ، قال : والجون أيضا جمع جونة للآكام ; قال القلاخ :


                                                          على مصاميد كأمثال الجون

                                                          قال : والمصاميد مثل المقاحيد ، وهي الباقيات اللبن . يقال : ناقة مصماد ومقحاد . والجونة : سليلة مستديرة مغشاة أدما تكون مع العطارين ، والجمع جون ، وهي مذكورة في الهمزة ، وكان الفارسي يستحسن ترك الهمزة ، وكان يقول في قول الأعشى يصف نساء تصدين للرجال حاليات :


                                                          إذا هن نازلن أقرانهن     وكان المصاع بما في الجون

                                                          ما قاله إلا بطالع سعد ، قال : ولذلك ذكرته هنا . وفي حديثه - صلى الله عليه وسلم - : فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجها من جونة عطار ; الجونة - بالضم - : التي يعد فيها الطيب ويحرز . ابن الأعرابي : الجونة الفحمة . غيره : الجونة الخابية مطلية بالقار ; قال الأعشى :


                                                          فقمنا ولما يصح ديكنا     إلى جونة عند حدادها

                                                          ويقال : لا أفعله حتى تبيض جونة القار ; هذا إذا أردت سواده ، وجونة القار إذا أردت الخابية ، ويقال للخابية جونة ، وللدلو إذا اسودت جونة ، وللعرق جون ; وأنشد ابن الأعرابي لماتح قال لماتح في البئر :


                                                          إن كانت اما امصرت فصرها     إن امصار الدلو لا يضرها
                                                          أهي جوين لاقها فبرها     أنت بخير إن وقيت شرها

                                                          فأجابه :


                                                          ودي أوقى خيرها وشرها

                                                          قال : معناه على ودي فأضمر الصفة وأعملها . وقوله : أهي جوين ، أراد أخي وكان اسمه جوينا ، وكل أخ يقال له جوين وجون . سلمة عن الفراء : الجونان طرفا القوس . والجون : اسم فرس في شعر لبيد :


                                                          تكاثر قرزل والجون فيها     وعجلى والنعامة والخيال

                                                          وأبو الجون : كنية النمر ; قال القتال الكلابي :


                                                          ولي صاحب في الغار هدك صاحبا     أبو الجون إلا أنه لا يعلل

                                                          وابنة الجون : نائحة من كندة ، كانت في الجاهلية ; قال المثقب العبدي :


                                                          نوح ابنة الجون على هالك     تندبه رافعة المجلد

                                                          قال ابن بري : وقد ذكرها المعري في قصيدته التي رثى فيها الشريف الظاهر الموسوي فقال :


                                                          من شاعر للبين قال قصيدة     يرثي الشريف على روي القاف
                                                          جون كبنت الجون يصدح دائبا     ويميس في برد الجوين الضافي
                                                          عقرت ركائبك ابن دأية عاديا     أي امرئ نطق وأي قواف
                                                          بنيت على الإيطاء سالمة من ال     إقواء والإكفاء والإصراف

                                                          والجونان : معاوية وحسان بن الجون الكنديان ; وإياهما عنى جرير بقوله :


                                                          ألم تشهد الجونين والشعب والغضى     وشدات قيس يوم دير الجماجم ؟

                                                          ابن الأعرابي : التجون تبييض باب العروس . والتجون : تسويد باب الميت . والأجؤن : أرض معروفة ; قال رؤبة :


                                                          بين نقى الملقى وبين الأجؤن

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية