425  - وحدث أحمد بن يحيى الصوفي ،  قال : نا إبراهيم بن منصور التوزي ،  وكان من عقلاء الرجال ، قال : دخلت دار الحسن بن حماد الصيرفي ،  وفيها محمد بن داود الجعفري  وحوله قوم وهو يتكلم في  [ ص: 150 ] القرآن ، فخفت أن يعلق بقلوبهم شيء من كلامه ، قال : فقلت له : " يكون مخلوق بلا قول ؟ " ، قال : لا ، قال : قلت له : فأخبرني عن القول الذي خلق به الخلق مخلوق ؟ قال : فقال : " ما أرى الذي تكلم في هذا إلا شيطانا " . 
قال الشيخ : فاعلموا رحمكم الله أن رؤساء الكفر والضلال من الجهمية  الملحدة ألقت إليهم الشياطين من إخوانهم الخصومة بالمتشابه من القرآن ، فزاغت به قلوبهم ، فضلوا وأضلوا ،  فقل للجهمي الضال : هذا كتاب الله عز وجل ، سماه الله في كتابه قرآنا وفرقانا ونورا وهدى ووحيا وتبيانا وذكرا وكتابا وكلاما وأمرا وتنزيلا ، وفي كل ذلك يعلمنا أنه كلامه منه ومتصل به قال الله تعالى : حم  تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم   . 
وقال : حم  تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم  فلك في أسمائه التي سماه الله بها كفاية ، فقد جهلت وغلوت في دين الله غير الحق ، وافتريت على الله الكذب والبهتان حين زعمت أن القرآن مخلوق ، وزعمت أن ذلك هو التوحيد ، وأنه دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره ، وأن من لم يقل بمقالتك ويتبعك على إلحادك وضلالتك فليس بموحد ،  [ ص: 151 ] تكفره وتستحل دمه ، فكل ما قلته وابتدعته أيها الجهمي ، فقد أكذبك الله عز وجل فيه ، ورده عليك هو ورسوله والمسلمون جميعا من عباد غيرة ، وإنما التمسنا دعواك هذه في كتاب الله ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفي إجماع المسلمين وصالحي المؤمنين ، فلم نجد في ذلك شيئا مما ادعيته . 
قال الله عز وجل : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون  ، ولم يقل : وأن تقولوا : القرآن مخلوق . 
وقال الله تعالى : ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله  ، ولم يقل : وأن تقولوا : القرآن مخلوق . وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم . . .  إلى قوله : وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل  ، ولم يقل : وأن تقولوا : القرآن مخلوق . 
وقال : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه   [ ص: 152 ] وقال : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله   . 
وقال تعالى : الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير  ألا تعبدوا إلا الله  وقال عز وجل : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة   . 
وقال : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء  وقال : ما فرطنا في الكتاب من شيء  وقال : وكل شيء أحصيناه في إمام مبين   . 
وقال : وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون  فمثل هذا وشبهه في القرآن كثير ، قد قرأناه وفهمناه ، فلم نجد لبدعتك هذه فيه ذكرا ولا أثرا ، ولا دعا الله عباده ولا أمرهم بشيء مما زعمت أنه توحيده ودينه  [ ص: 153 ]  . 
أفتزعم أن الله عز وجل أغفل هذا أم نسيه حتى ذكرته أنت وأنبهته عليه ؟ فقد أكذبك الله عز وجل فقال : وما كان ربك نسيا  ، وقال : ما فرطنا في الكتاب من شيء   . 
أم عساك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان في دينه ، وكتم ما أمره بتبليغه ؟ فإن في جرأتك على الله وعلى رسوله ما قد قلت ما هو أعظم من هذا وكل ذلك فقد أكذبك الله فيه . 
فقال تعالى : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر . . .  إلى قوله : النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون   . 
وقال : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين   . 
وقال : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون   . 
وقال : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت  [ ص: 154 ] رسالته   . 
وقال : وما على الرسول إلا البلاغ المبين   . 
وقال : فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين  إنا كفيناك المستهزئين   . 
وقالت  عائشة :   " من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أنزله الله عليه ، فقد أعظم الفرية على الله ، يقول الله : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك  الآية . 
ثم التمسنا هذه الضلالة التي اخترعتها وزعمت أنها الشريعة الواجبة والدين القيم والتوحيد اللازم الذي لا يقبل الله من العباد غيره بأن يقولوا : القرآن مخلوق في سنة المصطفى ، وما دعا إليه أمته وقاتل من خالفه عليه ، فما وجدنا لذلك أثرا ولا إمارة ولا دلالة . 
قال النبي صلى الله عليه وسلم :  " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان فزعمت أيها الجهمي أنها ست بضلالتك هذه  [ ص: 155 ]  . 
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :  " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " وقال صلى الله عليه وسلم :  " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والتارك لدينه ، والنفس بالنفس " وقال لوفد عبد القيس  حين قدموا عليه ، فأمرهم بالإيمان بالله ، وقال :  " أتدرون ما الإيمان بالله ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تعطوا الخمس من المغنم "  . 
وقال الله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا   [ ص: 156 ]  . 
فهذا كتاب الله يكذبك أيها الجهمي ، وسنة نبيه وإجماع المؤمنين وسبيلهم تخالفك ، وتدل على ضلالتك ، وعلى إبطال ما ادعيته من أن قولك : القرآن مخلوق ، هو التوحيد والدين ، الذي شرعه الله لعباده ، وبعث به رسوله . 
فقد بطل الآن ما ادعيته من قولك : إن التوحيد هو أن يقال : القرآن مخلوق ، وبان كذبك وبهتانك للعقلاء . 
فأخبرنا الله عز وجل عن خلق ما خلق من الأشياء ، فإنا نحن قد أوجدناك في آيات كثيرة من كتابه ، وأخبار صحيحة عن رسول الله أن القرآن كلام الله ومنه ، وفيه صفاته وأسماؤه ، وأنه علم من علمه ، وأنه ليس بجائز أن يكون شيء من الله ولا من صفاته ، ولا من أسمائه ، ولا من علمه ، ولا من قدرته ، ولا من عظمته ، ولا من عزته مخلوقة . 
ورأيناك أيها الجهمي تزعم أنك تنفي التشبيه عن الله بقولك : إن القرآن مخلوق ، ورأيناك شبهت الله عز وجل بأضعف ضعيف من خلقه . 
فإن كلام العباد مخلوق ، وأسماءهم مخلوقة ، وعلم الناس مخلوق ، وقدرتهم وعزتهم مخلوقة ، فأنت بالتشبيه أحق وأخلق ، وأنت فليس تجد ما قلته من أن القرآن مخلوق في كتاب الله ، ولا في سنة نبيه ، ولا مأثورا عن صحابته ، ولا عن أحد من أئمة المسلمين . 
فحينئذ لجأ الجهمي إلى آيات من المتشابه جهل علمها ، فقال : قلت :  [ ص: 157 ] ذلك من قول الله عز وجل : إنا جعلناه قرآنا عربيا  ، وقوله : ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا  ، وزعم أن كل مجعول مخلوق ، فنزع بآية من المتشابه يحتج بها من يريد أن يلحد في تنزيلها ، ويبتغي الفتنة في تأويلها . 
فقلنا : إن الله عز وجل قد منعك أيها الجهمي الفهم في القرآن حين جعلت كل مجعول مخلوقا ، وأن كل جعل في كتاب الله هو بمعنى خلق ، فمن هاهنا بليت بهذه الضلالة القبيحة ، حين تأولت كتاب الله بجهلك وهوى نفسك وما زينه لك شيطانك ، وألقاه على لسانك إخوانك ، وذلك أنا نجد الحرف الواحد في كتاب الله عز وجل على لفظ واحد ومعانيه مختلفة في آيات كثيرة ، تركنا ذكرها لكثرتها وقصدنا لذكر الآية التي احتججت بها . 
ف : ( جعل ) في كتاب الله عز وجل على غير معنى ( خلق ) ، فجعل من المخلوقين ، على معنى وصف من أوصافهم ، وقسم من أقسامهم ، و (جعل) أيضا على معنى فعل من أفعالهم لا يكون خلقا ولا يقوم مقام الخلق ، فتفهموا الآن ذلك واعقلوه . 
قال الله عز وجل : الذين جعلوا القرآن عضين  ، وإنما جعل هاهنا بمعنى : وصفوه بغير وصفه ، ونسبوه إلى غير معناه حين عضوه وميزوه فقالوا :  [ ص: 158 ] إنه شعر ، وإنه سحر ، وإنه قول البشر ، وإنه أساطير الأولين . 
وقال في مثل ذلك : وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم   . 
وقال : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا   . 
وقال : ويجعلون لله ما يكرهون   . 
وقال : ويجعلون لله البنات سبحانه   . 
وقال : ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم  لا يعني ذلك ولا تخلقوا . 
وقال : وتجعلون له أندادا   . 
وقال : ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا   . 
وقال : وجعلوا لله شركاء قل سموهم   [ ص: 159 ]  . 
فهذا كله (جعل) لا يجوز أن يكون على معنى : (خلق) ، و (جعل) من بني آدم على فعل . 
قال الله تعالى : يجعلون أصابعهم في آذانهم  لا يجوز أن يكون : يخلقون أصابعهم في آذانهم . 
وقال : حتى إذا جعله نارا  ، لا يجوز أن يكون : خلقه نارا . 
وقال : فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم  ، أفيجوز أن يكون خلقهم جذاذا ؟ 
و (جعل) في معنى (خلق) في معنى ما كان من الخلق موجودا محسوسا ، فقال : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون   . 
فجعل هاهنا في معنى خلق لا ينصرف إلى غيره ، وذلك أن الظلمات والنور يراهما الناس ، وكذلك قوله : وجعل لكم السمع والأبصار  وهما موجودان في بني آدم . 
وقال : وجعلنا الليل والنهار آيتين  ، يعني : خلقتا ، وهما موجودان  [ ص: 160 ] معروفان بإقبالهما وإدبارهما ، فهل يعرف القرآن بإقبال وإدبار ؟ ! 
وقال : وجعل الشمس سراجا  معناه خلق ، والشمس نور وحر وهي ترى ، فهل يمكن ذلك في القرآن ؟ 
وقال : وجعلت له مالا ممدودا  ، يعني : خلقت ، والمال موجود يوزن ويعد ويحصى ويعرف ، فهل يوزن القرآن ؟ 
وقال : والله جعل لكم الأرض بساطا  وهي موجودة ، يمشى عليها وتحرث ، فهل يمكن مثل ذلك في القرآن ؟ 
فهذا كله على لفظ (جعل) ومعناه معنى الخلق ، وقد ذكر معنى الجعل منه في مواضع كثيرة على غير معنى الخلق ، من ذلك قوله : ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام  لا يعني : ما خلق  [ ص: 161 ] الله من بحيرة ، لأنه هو خلق البحيرة والسائبة والوصيلة ، ولكنه أراد أنه لم يأمر الناس باتخاذ البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . 
فهذا لفظ (جعل) على غير معنى (خلق) ، وقال تعالى لإبراهيم  خليله عليه السلام : إني جاعلك للناس إماما  لا يعني : خالقك ، لأن خلقه قد سبق إمامته . 
وقال لأم موسى :  إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين  لا يعني وخالقوه ، لأنه قد كان مخلوقا ، وإنما جعله مرسلا بعد خلقه . 
وقال إبراهيم :  رب اجعل هذا البلد آمنا  لا يعني : رب اخلق هذا البلد ، لأن البلد قد كان مخلوقا ، ألا تراه يقول : هذا البلد  ؟ 
وقال : فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين  ، لا يريد : حتى خلقناهم حصيدا . 
وقال إبراهيم :  رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي  لا يعني : رب اخلقني . 
وقال إبراهيم  وإسماعيل :  ربنا واجعلنا مسلمين لك  ، ولم يريدا : واخلقنا مسلمين لك لأن خلقهما قد تقدم قبل قولهما ، فهذا ونحوه في القرآن  [ ص: 162 ] كثير ، مما لفظه (جعل) على غير معنى (خلق) . 
وكذلك قوله : إنا جعلناه قرآنا عربيا  إنما جعله عربيا ليفهم ويبين للذين نزل عليهم من العرب ، ألم تسمع إلى قوله : فإنما يسرناه بلسانك  ؟ 
وقال في موضع آخر : ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي  ، يقول : أعربي محمد  وعجمي كلامه بالقرآن ؟ فجعل الله القرآن بلسان عربي مبين . 
كذلك ألم تسمع قوله : وهذا لسان عربي مبين  ؟ 
وقال : قرآنا عربيا لقوم يعلمون   . 
وقال : إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون   . 
وأما قوله : ولكن جعلناه  ، فإنما يعني : أنزلناه نورا ، تصديق ذلك في الآية الأخرى قوله : فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا   . 
وقال : يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا  [ ص: 163 ] مبينا   . 
وقال : واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون   . 
وقال تعالى : قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس   . 
فقد بين لمن عقل وشرح الله صدره للإيمان أن (جعل) في كتاب الله على غير معنى (خلق) ، و (جعل) أيضا بمعنى (خلق) ، وأن قوله : إنا جعلناه قرآنا عربيا  هو على غير معنى (خلق) . 
فبأي حجة وفي أي لغة زعم الجهمي أن كل (جعل) على معنى (خلق) ؟ 
ألم يسمع إلى قوله : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين  ؟ 
أفترى الجهمي يظن أن قوله : ونجعلهم أئمة  إنما يريد : أن نخلقهم أئمة ؟ أفتراه يخلقهم خلقا آخر بعد خلقهم الأول ؟ فهل يكون معنى (الجعل) هاهنا معنى (الخلق) ؟ 
قال عز وجل : ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا  لا يعني :  [ ص: 164 ] ثم خلقنا له جهنم ، لأن جهنم قد تقدم خلقها ، ولم يرد أنها تخلق حين يفعل العبد ذلك ، ولكنه إذا فعل العبد ذلك جعلت داره ومسكنه بعد ما تقدم خلقها . وقال تعالى : ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم   . 
وقال : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات   . 
وقال : أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار   . 
وقال : إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه  ، - يعني : بني إسرائيل - أفيظن الجهمي الملحد أنما أراد : إنما خلق السبت على بني إسرائيل ؟ فقد علم العقلاء أن السبت مخلوق في مبتدأ الخلق قبل كون بني إسرائيل ، وقبل نوح ،  وقبل إبراهيم ،  ولكن معناه : إنما جعل على هؤلاء أن يسبتوا السبت خاصة ، فهذا على غير معنى (خلق) . 
وهذا كثير في القرآن ، ولكن الجهمي من الصم البكم الذين لا يعقلون من الذين : يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون  ، ألم تسمع إلى قوله : ولو نزلناه على بعض الأعجمين  فقرأه عليهم ما كانوا به  [ ص: 165 ] مؤمنين  ، فإنما جعل الله القرآن بلسان عربي مبين ، وأنزله عربيا لتفقه العرب ، ولتتخذ بذلك عليهم الحجة ، فذلك معنى قوله : إنا جعلناه قرآنا عربيا  ولم يرد عربيا في أصله ولا نسبه ، وإنما أراد عربيا في قراءته . 
				
						
						
