الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              471 - حدثني أبو يوسف يعقوب بن يوسف ، قال : حدثنا أبو بكر بن [ ص: 304 ] فردة ، قال : حدثنا إسحاق بن يعقوب ، قال : حدثني محمد بن غزوان ، قال : سألت الأصمعي عن قول الله تعالى : وكلم الله موسى تكليما ، قال : " تأكيدا لكلامه ، يريد أنه لا ترجمان بينهما ولا رسول " ، قلت : فما موضعه من الكلام ؟ قال : " كقول الرجل : لأضربنك ضربا ، ولأفعلن بك فعلا .

              ثم قال تعالى : يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ، ففصل بين الرسالة والكلام ، لأن جميع رسل الله وأنبيائه إنما أرسلهم الله بالوحي . فلولا ما خص الله تعالى به موسى من الكلام الذي لا ترجمان بينه وبينه فيه ، لما ، قال : وبكلامي ، ولما كان له هناك فضيلة ومزية على غيره ممن لم يكلمه الله ولم يخصه بما خص به موسى ، ولكن الجهمية لا بمشاهدة علموا ما يدعون ، ولا بما أخبر الله عن نفسه في كتابه يصدقون ، ولا ما قاله صلى الله عليه وسلم وصحابته يقبلون ، ولا في جملة أهل الإسلام يدخلون ، ولا لكلام العرب وفصيح اللسان يعرفون ، فهم لأهوائهم يعبدون ، وبالمعقول من غير عقد صحيح يدينون ، وتعالى الله علوا كبيرا عما يقولون .

              فأما قولهم : أن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم ولسان وشفتين ، أفترى [ ص: 305 ] الجوارح التي تشهد على أهلها يوم القيامة بما كانوا يعلمون ، حتى تنطق بكلام مفهوم وأمر معلوم ، فهل كان لها جوف وألسنة وشفاه ولهوات ؟ فإن الله تعالى قد أخبرنا بذلك ، فقال : حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء .

              فالذي أنطق كل شيء من غير الحيوان الناطق من غير جوف ولا لسان ولا شفتين قادر أن يتكلم هو بما شاء كيف شاء لمن شاء ، ولا نقول بلسان ولا بجوف ولا شفتين .

              قد أخبرنا أن الملائكة صمد روحانيون ، لا أجواف لهم : يسبحون الليل والنهار لا يفترون .

              وقال : ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته .

              وقد أخبرنا عن الجبال أنها تسبح ، فقال : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن .

              وقد قال : يا جبال أوبي معه والطير .

              وقد أخبرنا عن السماء والأرض كذلك ، فقال : ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين . [ ص: 306 ]

              ومثل هذا في كتاب الله كثير ، ولكن الجهمية الملحدة تجحده كله وتنكره ، فتجحد القرآن وترد الآثار ، فمن أنكر أن الله كلم موسى كلاما بصوت تسمعه الأذنان وتعيه القلوب ، لا واسطة بينهما ، ولا ترجمان ولا رسول ، فقد كفر بالله العظيم وجحد بالقرآن ، وعلى إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن تاب ورجع عن مقالته ، وإلا ضرب عنقه ، فإن لم يقتله الإمام وصح عند المسلمين أن هذه مقالته ، ففرض على المسلمين هجرانه وقطيعته ، فلا يكلمونه ، ولا يعاملونه ، ولا يعودونه إذا مرض ، ولا يشهدونه إذا مات ، ولا يصلى خلفه ، ومن صلى خلفه ، أعاد الصلاة ، ولا تقبل شهادته ، ولا يزوج ، وإن مات ، لم ترثه عصبته من المسلمين إلا أن يتوب " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية