باب الإيمان بأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه 
وعلمه محيط بجميع خلقه وأجمع المسلمون من الصحابة والتابعين ، وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه ، فوق سماواته بائن من خلقه ، وعلمه محيط بجميع خلقه ، لا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية ، وهم قوم زاغت قلوبهم ، واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين . 
وقالوا : إن الله ذاته لا يخلو منه مكان ، فقالوا : إنه في الأرض كما هو في السماء وهو بذاته حال في جميع الأشياء ، وقد أكذبهم القرآن والسنة وأقاويل الصحابة والتابعين من علماء المسلمين ، فقيل للحلولية : لم أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش ؟ 
وقال الله تعالى : الرحمن على العرش استوى   . 
وقال : ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا  فهذا خبر الله أخبر به عن نفسه وأنه على العرش   [ ص: 137 ]  . 
فقالوا : لا نقول : إنه على العرش ؛ لأنه أعظم من العرش ؛ ولأنه إذا كان على العرش فإنه يخلو منه أماكن كثيرة ، فنكون قد شبهناه بخلقه إذا كان أحدهم في منزله فإنما يكون في الموضع الذي هو فيه ويخلو منه سائر داره ، ولكنا نقول : إنه تحت الأرض السابعة كما هو فوق السماء السابعة ، وإنه في كل مكان لا يخلو منه مكان ، ولا يكون في مكان دون مكان ، قلنا : أما قولكم : إنه لا يكون على العرش ؛ لأنه أعظم من العرش ، فقد شاء الله أن يكون على العرش ، وهو أعظم منه . 
قال الله تعالى : ثم استوى إلى السماء   . 
وقال : وهو الله في السماوات   . 
ثم قال : وفي الأرض يعلم  ، فأخبر أنه في السماء وأنه بعلمه في الأرض ، وقال : الرحمن على العرش استوى   . 
وقال : ثم استوى على العرش الرحمن   . 
وقال : إليه يصعد الكلم الطيب  ، فهل يكون الصعود إلا إلى ما علا ، وقال : سبح اسم ربك الأعلى  ، فأخبر أنه أعلى من خلقه ، وقال يخافون ربهم من فوقهم  ، فأخبر أنه فوق الملائكة  [ ص: 138 ]  . 
وقد أخبرنا الله تعالى أنه في السماء على العرش ، فقال أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور  أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا   . 
وقال : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه   . 
وقال لعيسى : إني متوفيك ورافعك إلي   . 
وقال : بل رفعه الله إليه   . 
وقال : وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون   . 
وقال : وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير   . 
وقال : رفيع الدرجات ذو العرش   . 
وقال عز وجل : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه   . 
وقال : ذي المعارج  تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره  ، فهذا ومثله في القرآن كثير ، ولكن الجهمي المعتزلي الحلولي الملعون يتصامم عن هذا وينكره ، فيتعلق بالمتشابه ابتغاء الفتنة لما في قلبه من الزيغ ؛ لأن المسلمين كلهم قد عرفوا أماكن كثيرة ولا يجوز أن يكون فيها من ربهم إلا علمه وعظمته ، وقدرته وذاته تعالى ليس هو فيها ، فهل زعم الجهمي أن مكان إبليس الذي هو فيه يجتمع الله تعالى وهو فيه ، بل يزعم الجهمي أن ذات الله تعالى حالة في إبليس ،  [ ص: 139 ] وهل يزعم أن أهل النار في النار وأن الجليل العظيم العزيز الكريم معهم فيها تعالى الله عما يقوله أهل الزيغ والإلحاد علوا كبيرا . 
وهل يزعمون أنه يحل أجواف العباد وأجسادهم ، وأجواف الكلاب ، والخنازير ، والحشوش ، والأماكن القذرة ، التي يربأ النظيف الطريف من المخلوقين أن يسكنها أو يجلس فيها ، أو قال له : إن أحدا ممن يكرمه ويحبه ويعظمه يحل فيها وبها . 
والمعتزلي يزعم أن ربه في هذه الأماكن كلها ، ويزعم أنه في كمه ، وفي فمه ، وفي جيبه ، وفي جسده ، وفي كوزه ، وفي قدره ، وفي ظروفه وآنيته ، وفي الأماكن التي نجل الله تبارك وتعالى أن ننسبه إليها . 
				
						
						
