الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حديث شجرة طوبى ، وصفة الجنة وسوقها

              63 - حدثنا أبو هاشم عبد الغافر بن سلامة الحمصي ، قال : ثنا محمد بن عوف الحمصي ، قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : حدثني عبد الصمد ، أنه سمع وهب بن منبه ، يقول : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، زهرها رياط ، وورقها برود ، وكثبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، ووحلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس أهل الجنة متحدث بينهم ، فبينا هم يتحدثون في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها [ ص: 79 ] كالمصابيح من حسنها ، ووبرها كجزة المعزى من لينه ، عليها رحال ألواحها من ياقوت ، ودفوفها من ذهب ، وثيابها من سندس وإستبرق .

              قال : فينيخونها ، ويقولون : إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه ، قال : فيركبونها وهي أسرع من الطائر ، وأوطأ من الفرس المفروش ، نجبا من غير تهيئة ، ذللا من غير رياضة ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، ولا تسبق أذن راحلة منها أذن صاحبتها ، ولا ركبة راحلة منها ركبة صاحبتها ، حتى إن الشجرة لتنحى عن طرقهم ؛ لئلا تفرق بين الرجل وبين أخيه ، قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم ، فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا : اللهم أنت السلام ومنك السلام وحق لك الجلال والإكرام ، قال : فيقول ربنا تعالى عند ذلك : أنا السلام ومني السلام وعليكم حقت محبتي ورحمتي ، مرحبا بعبادي الذين خشوني بالغيب وأطاعوا أمري [ ص: 80 ] .

              فيقولون : ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ، ولم نقدرك حق قدرك فأذن لنا بالسجود قدامك .

              فيقول تعالى : إنها ليست بدار نصب ولا عبادة ، ولكنها دار ملك ونعيم ، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة ، فسلوني ما شئتم ، فإن لكل رجل منكم أمنيته ، فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ، يقول : يا رب تنافس أهل الدنيا في دنياهم وتضايقوا فيها ، رب فآتني مثل كل ما كانوا فيه منذ يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا .

              فيقول الله تعالى : لقد قصرت بك أمنيتك ، ولقد سألت دون منزلتك ، هذا لك مني وسأتحفك بمنزلتك ؛ لأنه ليس في عطائي هلك ولا تصريد ، قال : ثم يقول : اعرضوا على عبادي ما لم تبلغه أمانيهم ولم يخطر لهم على بال فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم في أنفسهم ، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقربة على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ، وعلى كل سرير منها قبة من ذهب مفرغة في كل قبة منها فرش من فرش الجنة طاهرة ، في كل قبة منها جاريتان من حور العين ، على كل جارية منهن [ ص: 81 ] ثوبان من ثياب الجنة ، وليس في الجنة لون إلا أنه فيها ولا ريح طيب ، إلا قد عبقتا به ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة حتى يظن من يراهما أنهما من دون القبة ، يرى مخها من فوق ساقها كالسلك الأبيض في الياقوتة الحمراء ، تريان لصاحبهما من الفضل على صاحبتيه كفضل الدر على الحجارة أو أفضل ، ويرى هو أفضالهما مثل ذلك ، ثم يدخل إليهما فيحييانه ، وتقبلانه ، وتعانقانه ، وتقولان له : والله ما ظننا أن الله تعالى يخلق مثلك ، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزله الذي أعد له " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية