الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              105 - فقد قال عبد الله بن المبارك : إنا لنستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى ، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية ، وزعم الجهمي أن الله لا يخلو منه مكان ، وقد أكذبه الله تعالى ، ألم تسمع إلى قوله : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا [ ص: 140 ] .

              فيقال للجهمي : أرأيت الجبل حين تجلى له ؟ وكيف تجلى للجبل وهو في الجبل ؟

              وقال الله تعالى : وأشرقت الأرض بنور ربها .

              فيقال للجهمي : هل الله نور ؟ فيقول : هو نور كله ، قيل له : فالله في كل مكان ؟ قال : نعم ، قلنا : فما بال البيت المظلم لا يضيء من النور الذي هو فيه ، ونحن نرى سراجا فيه فتيلة يدخل البيت المظلم فيضيء ؟ ، فما بال الموضع المظلم يحل الله تعالى فيه بزعمكم ، فلا يضيء ؟ فعندها يتبين لك كذب الجهمي ، وعظيم فريته على ربه ، ويقال للجهمي : أليس قد كان الله ولا خلق ؟ فيقول : نعم ، فيقال له : فحين خلق الخلق أين خلقهم وقد زعمت أنه لا يخلو منه مكان ؟ أخلقهم في نفسه ؟ أو خارجا من نفسه ؟ فعندها يتبين لك كفر الجهمي ، وأنه لا حيلة له في الجواب ؛ لأنه إن قال : خلق الخلق في نفسه . [ ص: 141 ]

              كفر وزعم أن الله خلق الجن ، والإنس ، والأبالسة ، والشياطين ، والقردة والخنازير ، والأقذار والأنتان في نفسه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وإن زعم أنه خلقهم خارجا من نفسه ، فقد اعترف أن ها هنا أمكنة قد خلت منه .

              ويقال للجهمي في قوله : إن الله في كل مكان : أخبرنا هل تطلع عليه الشمس إذا طلعت ؟ وهل يصيبه الريح ، والثلج ، والبرد ؟ ، ولو أن رجلا أراد أن يبني بناء أو يحفر بئرا ، أو يلقي قذرا لكان إنما يلقي ذلك ويصنعه في ربه ؟ فجل ربنا وتعالى عما يصفه به الملحدون ، وينسبه إليه الزائغون ، لكنا نقول : إن ربنا تعالى في أرفع الأماكن ، وأعلى عليين ، قد استوى على عرشه فوق سماواته ، وعلمه محيط بجميع خلقه ، يعلم ما نأى كما يعلم ما دنا ، ويعلم ما بطن كما يعلم ما ظهر كما وصف نفسه تعالى .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية