( ولو علق ) الزوج الطلاق ( بفعله ) كدخوله الدار ، وقد قصد حث نفسه أو منعها بخلاف ما إذا أطلق أو قصد التعليق بمجرد صورة الفعل فإنه يقع مطلقا كما اقتضاه كلام ابن رزين ( ففعله ناسيا للتعليق أو مكرها ) عليه بباطل أو بحق كما قاله الشيخان وغيرهما خلافا للزركشي وغيره كما مر بما فيه أو جاهلا بأنه المعلق عليه ، ومنه كما يأتي في التعليق بفعل الغير أن تخبر من حلف زوجها أنها لا تخرج إلا بإذنه بأنه أذن لها ، وإن بان كذبه كما قاله البلقيني وبه ينظر في قول ولده الجلال لو حلف لا يأكل كذا فأخبر بموت زوجته فأكله فبان كذبه حنث لتقصيره ، ومنه أيضا ما أفتى به بعضهم فيمن خرجت ناسية فظنت انحلال اليمين [ ص: 119 ] أو أنها لا تتناول إلا المرة الأولى فخرجت ثانيا وعجيب تفرقة بعضهم بين هذين الظنين نعم لا بد من قرينة على ظنها لما يأتي فالحاصل أنه متى استند ظنها إلى أمر تعذر معه لم يحنث أو إلى مجرد ظن الحكم حنث وكلامهما آخر العتق فيمن حلف بعتق مقيد أن في قيده عشرة أرطال دال على هذا الأخير كما قدمته في مبحث الإكراه لا بحكمه إذ لا أثر له خلافا لجمع وهموا فيه فقد قال غير واحد نص الأئمة أنه لا أثر للجهل بالحكم .
قال جمع محققون وعليه يدل كلام الشيخين في الكتابة وغيرها وبه تندفع منازعة بعضهم لهم في ذلك بكلام الأذرعي ولغيره لا يدل له إلا إن اعتمد على من قال له ليس هذا هو المحلوف عليه أو على من يظنه فقيها وعبر شيخنا بكونه يعتمد ويرجع إليه في المشكلات ، وفيه نظر وذلك كأن علق بشيء فقال له أو أخبره عنه من وقع في قلبه صدقه لا يقع بفعلك له ففعله معتمدا على ذلك فلا يقع به عليه شيء ؛ لأنه الآن صار جاهلا بأنه المعلق عليه مع عذره ظاهرا وألحق بذلك بعضهم ما لو ظن صحة عقد فحلف عليها ، ولم يكن كذلك ، وإن لم يفته أحد بذلك وفرق بينه وبين حنث رافضي حلف أن عليا أفضل من أبي بكر رضي الله عنهما ومعتزلي حلف أن الشر من العبد بأن هذين من العقائد المطلوب فيها القطع فلم يعذر المخطئ فيها مع إجماع من يعتد بإجماعهم على خطئه بخلاف مسألتنا ، وقد يقال لا يحتاج لهذا الإلحاق ؛ لأن هذا ليس مما نحن فيه كما يعلم مما يأتي على الأثر فيمن حلف على ما في ظنه وما قاله في الرافضي والمعتزلي ليس على إطلاق لما يأتي فيهما قريبا ( لم تطلق في الأظهر ) للخبر الصحيح { إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } أي لا يؤاخذهم بأحكام هذه إلا ما دل عليه الدليل كضمان قيم المتلفات وأفتى جمع من أئمتنا بالمقابل .
وقال ابن المنذر إنه مشهور مذهب الشافعي وعليه أكثر العلماء ، ومن ثم توقف جمع من قدماء الأصحاب عن الإفتاء في ذلك وتبعهم ابن الرفعة في آخر عمره ، ولا فرق [ ص: 120 ] على الأول بين الحلف بالله وبالطلاق على المنقول المعتمد ، ولا بين أن ينسى في المستقبل فيفعل المحلوف عليه أو ينسى فيحلف على ما لم يفعله أنه فعله أو بالعكس كأن حلف على نفي شيء وقع جاهلا به أو ناسيا له ، وإن قصد أن الأمر كذلك في الواقع بحسب اعتقاده كما بسطته في الفتاوى خلافا لكثيرين ، وإن ألف غير واحد فيه والحاصل أن المعتمد الذي يلتئم به أطراف كلام الشيخين الظاهر التنافي أن من حلف على أن الشيء الفلاني لم يكن أو كان أو سيكون أو إن لم أكن فعلت أو إن لم يكن فعل أو في الدار ظنا منه أنه كذلك أو اعتقادا لجهله به أو نسيانه له ثم تبين أنه على خلاف ما ظنه أو اعتقده فإن قصد بحلفه أن الأمر كذلك في ظنه أو اعتقاده أو فيما انتهى إليه علمه أي لم يعلم خلافه فلا حنث ؛ لأنه إنما ربط حلفه بظنه أو اعتقاده ، وهو صادق فيه ، وإن لم يقصد شيئا فكذلك على الأصح حملا للفظ على حقيقته ، وهي إدراك وقوع النسبة أو عدمه بحسب ما في ذهنه لا بحسب ما في نفس الأمر للخبر المذكور ، وقد صرح الشيخان وغيرهما بعدم حنث الجاهل والناسي في مواضع منها قولهما في الأيمان إن اليمين تنعقد على الماضي كالمستقبل وإنه إن جهل ففي الحنث قولان كمن حلف لا يفعل كذا ففعله ناسيا .
وهذا ظاهر في عدم الحنث خلافا لمن نازع فيه بأنه لا يلزم من إجراء الخلاف الاتحاد في الترجيح ؛ لأنا لم ندع اللزوم والظاهر كاف في ذلك ، ومنها قولهما لو حلف شافعي أن مذهبه أصح المذاهب وعكس الحنفي لم يحنث واحد منهما ؛ لأن كلا حلف على غلبة ظنه المعذور فيه أي لعدم قاطع هنا ، ولا ما يقرب منه وبه يفرق بين هذا وما يأتي قريبا في مسألة الفاتحة فإن أدلة قراءتها في الصلاة لما قاربت القطع نزلت منزلة القطعي فألحقت بما قبلها ، ومنها قول الروضة لو جلس مع جماعة فقام ولبس خف غيره فقالت له امرأته استبدلت بخفك فحلف بالطلاق أنه لم يفعل ذلك وكان خرج بعد الجميع ، ولم يعلم أنه أخذ بدله لم يحنث وأول بعضهم هذه العبارة بما لا ينفع ، وإن قصد أن الأمر كذلك في نفس الأمر [ ص: 121 ] بأن يقصد به ما يقصد بالتعليق عليه حنث كما يقع الطلاق المعلق بوجود صفة وقول الإسنوي وغيره بعدم الوقوع في قصده إن الأمر كذلك في نفس الأمر أخذا من كلامهما أي في بعض الصور يحمل على ما إذا قصد ذلك لا بالحيثية التي ذكرتها بأن قصد أنه في الواقع كذلك بحسب اعتقاده إذ مع تلك الحيثية لا وجه لعدم الوقوع إذا بان أن ما في نفس الأمر خلاف ما علق عليه وعلى هذه الحالة يصح حمل كلام الشيخين في مواضع كقولهما لو حلف أن هذا الذهب هو الذي أخذه من فلان فشهد عدلان أنه ليس هو حنث ، وإن كانت شهادة نفي ؛ لأنه محصور .
وحمل الإسنوي له على المتعمد وتبعه غيره مراده به القاصد لما ذكر به بدليل قوله نفسه ، وإنما قيدناه بذلك ليخرج الجاهل فلا يحنث ؛ لأن من حلف على شيء يعتقده إياه ، وهو غيره يكون جاهلا والجاهل لا يحنث كما ذكراه في الأيمان فتفطن له واستحضره فإنه كثير الوقوع في الفتاوى ، وقد ذهلا عنه في مسائل ، وإن تفطنا له في مسائل أخرى ا هـ فقوله يعتقده إياه يفهم ما قدمته أن من قصد التعليق على ما في نفس الأمر يحنث كما تقرر وكقولهما لو حلف لا يفعل كذا فشهد عدلان أي أخبراه بأنه فعله وصدقهما لزمه الأخذ بقولهما وبحمله على ذلك أيضا سقط قول الإسنوي ، وإن قيل إنه الحق هذا إنما يأتي على الضعيف أنه يقع طلاق الناسي ا هـ وإذا حملناه على ما قلناه وأخبره من صدقه فقياس نظائره السابقة في نحو الشفعة ورمضان أنه يلزمه الأخذ بقوله ولو فاسقا وقياس هذين أيضا أنه لا يحتاج في إخبار العدلين إلى تصديق فليحمل وصدقهما السابق على ما إذا عارضهما قرينة قوية تكذبهما وكقولهما لو قال السني إذا لم يكن الخير والشر من الله تعالى أو إن لم يكن أبو بكر أفضل من علي رضي الله عنهما فامرأتي طالق وعكس المعتزلي أو الرافضي حنثا ، وكذا لو حلف شافعي أن من لم يقرأ الفاتحة في الصلاة لم يسقط فرضه وعكسه الحنفي فيحنث .
والخلاف في هذه المسائل بين المتقدمين والمتأخرين طويل والمعتمد منه ما قررته وفارق ما تقرر من عدم الوقوع من خاطب زوجته بطلاق ظانا أنها أجنبية ؛ لأنه هنا لما ربطه بظنه كان معلقا له على ما يجهل وجوده ، وقد تقرر أن من فعل المحلوف عليه جاهلا بكونه المعلق به لم يحنث ؛ لأنه لم يوقعه في محله أصلا ، وأما ثم فأوقعه في محله وقرنه بظن كونها أجنبية المخالف للواقع والغير المعارض لما نجزه وأوقعه فلم يدفعه ويؤخذ من هذا مع ما تقرر في إن لم أكن فعلت وما بعده أنه لو غيرت هيئة زوجته فقيل له هذه زوجتك فأنكر ثم قال إن كانت زوجتي فهي طالق ظانا أنها غيرها لم تطلق ؛ لأن هذا ليس تعليقا محضا [ ص: 122 ] وإنما هو تحقيق خبر ، وهو يناط بما في الظن كما مر ومما يصرح به قول التوسط لو قال إن لم يكن فلان سرق مالي فامرأتي طالق ، وهو لا يعرف أنه سرقه لم تطلق ا هـ ومراده أنه ظن ذلك ولو علق بفعله ، وإن نسي أو أكره أو قال لا أفعله عامدا ، ولا غير عامد حنث مطلقا اتفاقا وألحق به ما لو قال لا أفعل بطريق من الطرق أو بأنه لا ينسى فنسي لم يحنث ؛ لأنه لم ينس بل نسي كما في الحديث


