الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو علق بنفي فعل فالمذهب أنه إن علق بإن كإن لم تدخلي ) الدار فأنت طالق أو أنت طالق إن لم تدخلي ( وقع عند اليأس من الدخول ) [ ص: 100 ] كأن مات أحدهما قبل الدخول فيحكم بالوقوع قبل الموت أي إذا بقي ما لا يسع الدخول ، ولا أثر هنا للجنون ؛ لأن الدخول من المجنون كهو من العاقل ولو أبانها بعد تمكنها من الدخول واستمرت إلى الموت ، ولم يتفق دخول لم يقع طلاق قبيل البينونة لانحلال الصفة بدخولها لو وجد هذا ما اقتضاه كلامهما قال الإسنوي : وهو غلط ، والصواب وقوعه قبيل البينونة كما اقتضاه كلامهما عقب ذلك ، وصرح به في البسيط وأيد بالحنث بتلف ما حلف أنه يأكله غدا فتلف فيه قبل أكله بعد تمكنه منه ، وقد يفرق بأن العود بعد البينونة ممكن هنا فلا يفوت البر باختياره بخلافه ثم ، وفي إن لم أطلقك فأنت طالق يحصل اليأس بموت أحدهما وبنحو جنونه المتصل بالموت فيقع قبيل الموت ، ونحو الجنون حينئذ أي يحنث لا يبقى زمن يمكن أن يطلقها فيه بخلاف مجرد الجنون لتوقع الإفاقة والتطليق بعده وبالفسخ المتصل بالموت أيضا فيقع قبيل الفسخ ؛ لأن الفرض أنه رجعي فلا يقع اليأس قبيله للدور بخلاف مجرد الفسخ ؛ لأنه قد يجدد نكاحها وينشئ فيه طلاقا فتنحل اليمين ؛ إذ لا يختص [ ص: 101 ] ما به البر والحنث هنا بحالة النكاح فإن لم يجدده أو جدد ، ولم يطلق بان وقوعه قبيل الفسخ

                                                                                                                              ( تنبيه ) ما تقرر أن من علق بنفي فعل كالدخول فوجد في حال الجنون انحلت الصفة حتى لا يقع الطلاق قبيل نحو الجنون لعدم اليأس به هو ما نقلاه هنا عن الغزالي وأقراه واعترضا بأنهما ناقضاه كالغزالي في الإيلاء نظرا إلى أن المجنون ليس له قصد صحيح ويرد بأن الوجه اختلاف الملحظين ؛ لأن المدار هنا على ما به يتحقق اليأس ومع نحو الجنون لم يتحقق حتى يقع قبيله لإمكان فعل المعلق عليه بعده ، ويؤيده ما تقرر أن الدخول لو وجد ، وهي بائن انحلت اليمين فلا تطلق قبيل البينونة فكما اعتبروا الصفة هنا مع البينونة لأجل منع الوقوع قبلها فكذا يعتبر مع نحو الجنون لذلك فتأمله ( أو ) علق ( بغيرها ) كإذا وسائر ما مر ( ف ) تطلق ( عند مضي زمن يمكن فيه ذلك الفعل ) وفارقت إن بأنها لمجرد الشرط من غير إشعار لها بزمن بخلاف البقية كإذا فإنها ظرف زمان كمتى فتناولت الأوقات كلها فمعنى إن لم تدخلي إن فاتك الدخول ، وفواته باليأس ، ومعنى إذا لم تدخلي : أي وقت فاتك الدخول فوقع بمضي زمن يمكن فيه الدخول فتركته بخلاف ما إذا لم يمكنها لإكراه أو نحوه ويقبل ظاهرا قوله أردت بإذا معنى إن لا زمنا مخصوصا على ما اقتضاه كلام بعضهم وعليه فرق بأنه ثم أراد بلفظ معنى لفظ آخر بينهما اجتماع في الشرطية بخلافه هنا ، وفيه ما فيه وبأن معنى إذا أو غيره كالتقييد بزمن قريب أو بعيد ؛ لأنه غلظ على نفسه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله في المتن وقع عند اليأس من الدخول ) ومحل اعتبار اليأس ما لم يقل : أردت إن دخلت [ ص: 100 ] الآن أو اليوم فإن أراده تعلق الحكم بالوقت المنوي كما صرحا به في نظيره فيمن دخل على صديقه فقال له : تغد معي فامتنع فقال إن لم تتغد معي فامرأتي طالق ونوى الحال شرح م ر

                                                                                                                              ( قوله : والصواب إلخ ) الوجه أنه إن كان المعلق هو الطلاق الرجعي وقع قبيل البينونة كما في نظيره من مسألة الفسخ الآتية فإن حمل كلام الإسنوي على هذا كان مسلما ، وإن كان هو الطلاق البائن لم يقع كيف يتأتى حمله على هذا مع تعبيره بالبينونة في قوله : والصواب وقوعه قبيل البينونة أخذا مما تقدم من تحرير السبكي في مسألة ابن الرفعة أنه إذا كانت الصيغة إن لم كان الخلع مخلصا من الطلاق المعلق ، وعلى هذا الحمل كلام الشيخين ، ولا إشكال عليه ، ولا تغليظ ؛ ولهذا صرحا بمثله في مسألة التفاحتين ونحوها فليتأمل ( قوله : وبنحو جنونه ) هو ظاهر في نحو جنون الزوج ، ولعل الضمير لأحدهما

                                                                                                                              ( قوله : للدور ) إذ لو وقع بطل الفسخ فلم ييأس فلم [ ص: 101 ] يقع لعدم اليأس فيلزم من وقوعه عدم وقوعه

                                                                                                                              ( قوله : والحنث ) راجعه إلا أن يراد أنه قد يؤجل بعد الفراق ما يؤثر الوقوع قبله

                                                                                                                              ( قوله : أو جدد ، ولم يطلق بان وقوعه قبيل الفسخ ) وظاهر أن وقوعه قبيل الفسخ لا يؤثر مع الفسخ في صحة التجديد ؛ إذ غايته أنه تجديد بعد طلاق ثم فسخ ، وهو صحيح ، وإنما فائدة الوقوع نقص العدد ( قوله : انحلت الصفة ) فإن قلت : يشكل بقولهم : ولا أثر لفعل الناسي في بر ، ولا حنث ؛ لأن المجنون في معنى الناسي لعدم تصوره اليمين قلت : ما هنا مجرد تعليق

                                                                                                                              ( قوله : بخلاف ما إذا لم يمكنها إلخ ) لعل هذا إذا قصد منعها بخلاف ما إذا قصد مجرد التعليق أو أطلق على ما سيأتي



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن وقع عند اليأس إلخ ) ومحل اعتبار اليأس ما لم يقل أردت إن دخلت [ ص: 100 ] الآن أو اليوم فإن أراده تعلق الحكم بالوقت المنوي كما صرحا به في نظيره فيمن دخل على صديقه فقال له تغد معي فامتنع فقال إن لم تتغد معي فامرأتي طالق ونوى الحال شرح م ر ا هـ سم قال ع ش قوله ونوى الحال أي أو دلت القرينة على إرادته على ما مر فإنه يحنث فلو لم ينو ذلك لم يحنث إلا باليأس ، وهو قبيل الموت بزمن لا يمكن الغذاء معه فيه ا هـ أقول قوله ومحل اعتبار اليأس سيذكره الشرح قبيل قول المتن ولو قال : أنت طالق

                                                                                                                              ( قوله : كأن مات ) إلى قوله : وفي إن لم أطلق في النهاية وإلى التنبيه في المغني إلا قوله بعد تمكنها من الدخول ، وقوله : كما اقتضاه كلامهما عقب ذلك ، وقوله : وأيد إلى ، وفي إن لم أطلقك ، وقوله : والحنث ، وقوله : إن دخلت الآن إلخ لعل صوابه إن لم تدخلي الآن إلخ

                                                                                                                              ( قوله : ولو أبانها إلخ ) محترز قوله كأن مات إلخ

                                                                                                                              ( قوله : بعد تمكنها من الدخول ) بأن مضى زمن يمكنها فيه الدخول ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله : لانحلال الصفة إلخ ) يعني لو وجد الدخول حال البينونة لانحلت الصفة فلم يحصل اليأس بالبينونة ا هـ كردي

                                                                                                                              ( قوله : هذا ) أي قوله لم يقع طلاق

                                                                                                                              ( قوله : قال الإسنوي إلخ ) عبارة النهاية كما اقتضاه كلامهما ، وإن زعم الإسنوي أنه غلط وأن الصواب وقوعه ، وقد يفرق بأن العود إلخ ا هـ سيد عمر

                                                                                                                              ( قوله : والصواب إلخ ) الوجه أنه إن كان المعلق هو الطلاق الرجعي وقع قبيل البينونة كما في نظيره من مسألة الفسخ الآتية فإن حمل كلام الإسنوي على هذا كان مسلما ، وإن كان الطلاق البائن لم يقع ، ولا يمكن حمله أي كلام الإسنوي على هذا أي الطلاق البائن مع تعبيره بالبينونة وعلى هذا يحمل كلام الشيخين ، ولا إشكال عليه ، ولا تغليط ولهذا صرحا بمثله في مسألة التفاحتين ونحوها ا هـ سم

                                                                                                                              ( قوله : في البسيط ) كذا في شرح الروض بالباء لكنه في النهاية والمغني بالواو بدل الباء

                                                                                                                              ( قوله : وأيد ) بالبناء للمجهول ، والمؤيد أبو زرعة في تحريره ا هـ رشيدي

                                                                                                                              ( قوله : يأكله ) أي الرغيف

                                                                                                                              ( قوله : بان العود ) صوابه بان الدخول ا هـ رشيدي ، وفيه أن المراد بالعود أن تعود الزوجة إلى ما تركتها من الدخول وتفعلها فمآل التعبيرين واحد ، وإن كان التعبير بالدخول واضحا

                                                                                                                              ( قوله : فلم يفوت ) أي الزوج

                                                                                                                              ( قوله : ثم ) أي في مسألة الأكل ( قوله بنحو جنونه ) هو ظاهر في نحو جنون الزوج ولعل الضمير له لا لأحدهما ا هـ سم عبارة الروض والمغني بأن يموت أحدهما أو يجن الزوج جنونا متصلا إلخ ثم قال المغني وشرح الروض وكالجنون الإغماء والخرس الذي لا كتابة لصاحبه ، ولا إشارة مفهمة ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : وبالفسخ ) عطف على بموت أحدهما عبارة المغني فإن فسخ النكاح أو انفسخ أو طلقها وكيله ومات أحد الزوجين قبل تجديد النكاح أو الرجعة أو بعده ، ولم تطلق تبين وقوعه قبيل الانفساخ إن كان الطلاق المعلق رجعيا إذ لا يمكن وقوعه قبيل الموت لفوات المحل بالانفساخ ، وإن كان الطلاق بائنا لم يقع قبيل الانفساخ ؛ لأن البينونة تمنع الانفساخ فيقع الدور إذ لو وقع الطلاق لم يقع الانفساخ فلم يحصل اليأس فلم يقع الطلاق فإن طلقها بعد تجديد النكاح أو علق بنفي فعل غير التطليق كالضرب فضربها ، وهو مجنون أو وهي مطلقة انحلت اليمين ا هـ زاد الأسنى واعتبر طلاق وكيله ؛ لأنه لا يفوت الصفة المعلق عليها بخلاف طلاقه هو ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : للدور ) إذ لو وقع بطل الفسخ فلم ييأس فلم يقع لعدم اليأس فيلزم من وقوعه عدم وقوعه ا هـ سم

                                                                                                                              ( قوله : إذ لا يختص [ ص: 101 ] ما به البر والحنث هنا بحالة النكاح ) أي : النكاح الذي وقع فيه التعليق ظاهر بالنسبة إلى البر ألا ترى أن الطلاق في النكاح المجدد أفاد انحلال اليمين أما بالنسبة إلى الحنث فمحل تأمل بناء على ما تقرر من أن فعل المحلوف عليه بعد الخلع لا حنث به فليحرر فإن عبارة المغني أي والأسنى فلأن البر لا يختص بحال النكاح ا هـ سيد عمر عبارة سم قوله : والحنث راجعه إلا أن يراد أنه قد يوجد بعد الفراق ما يؤثر الوقوع قبله ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بان وقوعه قبيل الفسخ ) وظاهر أن وقوعه قبيل الفسخ لا يؤثر مع الفسخ في صحة التجديد إذ غايته أنه تجديد بعد طلاق ثم فسخ ، وهو صحيح ، وإنما فائدة الوقوع نقص العدد ا هـ سم

                                                                                                                              ( قوله : انحلت الصفة ) فإن قلت : يشكل بقولهم لا أثر لفعل الناسي في بر ، ولا حنث ؛ لأن المجنون في معنى الناسي لعدم تصوره اليمين قلت ما هنا مجرد تعليق سم أقول : ينبغي أن يتأمل فإن ظاهر كلامهم أنه لا فرق بين قصد مجرد التعليق وبين قصد اليمين بأن أراد به المنع ألا ترى تعبيرهم ببر وحنث وانحلت اليمين ، وهذا لا يناسب التصوير بالتعليق المجرد ا هـ سيد عمر

                                                                                                                              ( قوله : فكذا يعتبر ) الضمير للصفة فكان الأولى التأنيث

                                                                                                                              ( قوله : وسائر ما مر ) عبارة المغني والروض مع شرحه ولو كان التعليق المذكور بصيغة كلما فمضى قدر ما يسع ثلاث تطليقات متفرقات ، ولم يفعل طلقت ثلاثا إن لم تبن بالأولى ، وإلا فتطلق واحدة فقط وحين أو حيث أو مهما أو كلما لم أطلقك كقوله : إذا لم أطلقك فيما مر ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : وفارقت ) إلى قوله لا زمنا في النهاية وإلى المتن في المغني إلا قوله بخلاف ما إلى ويقبل ، وقوله : على ما اقتضاه إلى وفرق ، وقوله : وفيه ما فيه

                                                                                                                              ( قوله : بأنها لمجرد الشرط إلخ ) يرد على ذلك الفرق " من " الشرطية ا هـ رشيدي أقول : وفي صنيع المغني والروض مع شرحه كما مر آنفا ما يخرج نحو من مما لا يدل على الزمن

                                                                                                                              ( قوله : فوقع ) الأنسب وفواته كما في المغني والأسنى

                                                                                                                              ( قوله : بخلاف ما إذا لم يمكنها إلخ ) لعل هذا إذا قصد منعها بخلاف ما إذا قصد مجرد التعليق أو أطلق على ما سيأتي ا هـ سم ، وقوله : منعها لعل المناسب حثها

                                                                                                                              ( قوله : لإكراه ) أي على ترك الفعل

                                                                                                                              ( قوله : ويقبل ظاهرا إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه ، وإن قال أردت بإذا معنى إن قبل ظاهرا ؛ لأن كلا منهما قد يقوم مقام الآخر ، وإن أراد بإن معنى إذا قبل ؛ لأنه غلظ على نفسه ، وإن أراد بغير إن وقتا معينا قريبا أو بعيدا دين لاحتمال ما أراد ، ولا ينافي هذا ما مر فيما لو أراد بإذا معنى إن ؛ لأنه ثم أراد بلفظ معنى لفظ آخر بينهما اجتماع في الشرطية بخلافه هنا ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : لا زمنا مخصوصا ) كأن المعنى أنه لا يقبل ظاهرا إذا قال أردت بإذا لم تدخلي أي في غرة رمضان ولعل وجه قوله الآتي ، وفيه ما فيه أنه قد تقدم أنها شاملة للأوقات أي على سبيل البدلية فالوقت المعين من بعض ماصدقاتها ، وإن تجوز بها في ملاحظة خصوص التعيين والحاصل أن في استعمالها بمعنى إن تجريدها عن خصوص الظرفية ، واستعمالها في مطلق الشرطية ، وهو ضرب من التجوز ، وفي إرادة الوقت المعين استعمال لفظ المطلق في المقيد ، وهو ضرب آخر من التجوز فما الداعي لتجويز أحدهما ومنع الآخر مع أن كلا منهما فيه إخراج للفظ عن حقيقته المتبادرة منه فليتأمل ا هـ سيد عمر ، وقد يفرق بتبادر الأول بالنسبة إلى الثاني كما يفيده ما مر آنفا عن المغني وشرح الروض

                                                                                                                              ( قوله : وفرق ) أي بين إرادة معنى إن والزمن المخصوص

                                                                                                                              ( قوله : وبأن إلخ ) عطف على قوله بإذا إلخ




                                                                                                                              الخدمات العلمية