الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو قيل له استخبارا أطلقتها ) أي زوجتك ( فقال نعم ) أو مرادفها كجير وأجل وإي بكسر الهمزة ويظهر أن بلى هنا كذلك لما مر في الإقرار أن الفرق بينهما لغوي لا شرعي ( فإقرار به ) ؛ لأنه صريح إقرار فإن كذب فهي زوجته باطنا ( فإن قال أردت ) طلاقا ( ماضيا وراجعت فيه صدق بيمينه ) لاحتمال ما يدعيه وخرج براجعت جددت وحكمه كما مر في أنت طالق أمس وفسره بذلك ( فإن قيل ) له ( ذلك التماسا ) أي طلبا منه ( لإنشاء ) لإيقاع طلاق ، ومنه كما هو ظاهر لو قيل له ، وقد تنازعا في فعله لشيء الطلاق يلزمك ما فعلت كذا ( فقال نعم ) أو نحوها ( فصريح ) في الإيقاع حالا ( وقيل كناية ) ؛ لأن نعم ليست من صرائح الطلاق ويرد بأنها ، وإن كانت ليست صريحة فيه لكنها حاكية لما قبلها اللازم منه إفادتها في مثل هذا المقام أن المعنى نعم طلقتها ولصراحتها في الحكاية تنزلت على قصد السائل فكانت صريحة في الإقرار تارة ، وفي الإنشاء أخرى تبعا لقصده وبهذا يتضح قول القاضي وقطع به البغوي واقتضى كلام الروضة ترجيحه .

                                                                                                                              ومن ثم جزم به غير واحد من مختصريها لو قيل له إن فعلت كذا فزوجتك طالق فقال نعم لم يكن شيئا وبه أفتى البلقيني وغيره ؛ لأنه ليس هنا استخبار [ ص: 134 ] ولا إنشاء حتى ينزل عليه بل تعليق ونعم لا تؤدي معناه فاندفع قول البغوي مرة أخرى يجب أن يكون على الوجهين فيمن قيل له أطلقت زوجتك فقال نعم وكأن ابن رزين اغتر بكلامه هذا فأفتى بالوقوع وليس كما قال ، وإن سبقه إليه المتولي وتبعه فيه بعض المتأخرين وبحث الزركشي أنه لو جهل حال السؤال هنا حمل على الاستخبار وخرج بنعم ما لو أشار بنحو رأسه فإنه لا عبرة به من ناطق على الأوجه لما مر أول الفصل وما لو قال طلقت فإنه كناية على الأوجه أيضا ويفرق بينه وبين طلقت بعد نحو طلقي نفسك أو طلقها بأنه ثم امتثال لما سبقه الصريح في الإلزام فلا احتمال فيه بخلافه هنا فإنه وقع جوابا لما لا إلزام فيه فكان كناية [ ص: 135 ] وما لو قال كان بعض ذلك فإنه لغو أيضا لاحتمال سبق تعليق أو وعد يئول إليه أو قال أعلم أن الأمر على ما تقول فكذلك كما نقلاه وأقراه ؛ لأنه أمره أن يعلم ، ولم يحصل هذا العلم .

                                                                                                                              ولو أوقع ما لا يوقع شيئا أو لا يوقع إلا واحدة كأنت علي حرام فظنه ثلاثا فأقر بها بناء على ذلك الظن قبل منه دعوى ذلك إن كان ممن يخفى عليه ويجري ذلك فيما لو علقها بفعل لا يقع به مع الجهل أو النسيان فأقر بها ظانا وقوعها ، وفيما لو فعل المحلوف عليه ناسيا فظن الوقوع ففعله عامدا فلا يقع به لظنه زوال التعليق مع شهادة قرينة النسيان له بصدقه في هذا الظن فهو أولى من جاهل بالمعلق عليه مع علمه ببقاء اليمين كما مر ، وإنما لم يقبل من قال : أنت بائن ثم أوقع الثلاث بعد زمن تنقضي به العدة ثم قال نويت بالكناية الطلاق فهي بائن حالة إيقاع الثلاث ؛ لأنه هنا متهم برفعه الثلاث الموجبة للتحليل اللازم له ولو قيل له قل هي طالق فقال ثلاثا فالأوجه أنه إن نوى به الطلاق الثلاث وأنه مبني على مقدر ، وهو هي طالق وقعن ، وإلا لم يقع شيء ومثله ما لو قيل له سرحها فقال سبعين ولو قال لمن في عصمته طلقتك ثلاثا يوم كذا فبان أنها ذلك اليوم بائن منه وقع عليه الثلاث وحكم بغلطه في التاريخ ذكره أبو زرعة

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : في المتن فإن قيل ذلك التماسا لإنشاء فقال نعم فصريح ) فلو قال طلقت فهو كناية م ر [ ص: 134 ] ولو قصد بقوله نعم الإخبار كاذبا هل يدين

                                                                                                                              ( قوله : فاندفع قول البغوي إلخ ) كذا إلى الفصل شرح م ر وللبغوي ومن أخذ بقوله أن يقول إن قوله إن فعلت كذا فزوجتك طالق التماس للتعليق بل لا يحتمل إلا التماس التعليق إذ لا يتصور أن يقصد به في هذا المقام الإخبار إذ لا معنى له ، ولا يسوغ فهو على تقدير همزة الاستفهام فوقوع نعم في جوابه يجعل معناها وتقديرها نعم إن فعلت كذا فزوجتي طالق على أن طريقه ما تقدم في توجيه وقوعها في جواب التماس غير التعليق ولعمري أنه وجيه ظاهر للمتأمل فالمبالغة عليه بما أطال به ونسبة ابن رزين ذلك الإمام إلى الاغترار بكلام البغوي الذي هو عمدة الشيخين مع موافقة المتولي من مشاهير الأصحاب في غير محلها فتدبر

                                                                                                                              ( قوله : فأفتى بالوقوع ) المراد الوقوع بمجرد قوله نعم أو المراد الوقوع إذا وجدت الصفة المعلق عليها ، وهي الفعل

                                                                                                                              ( فرع ) لو قصد السائل بقوله أطلقت زوجتك الإنشاء فظنه الزوج مستخبرا أو بالعكس فينبغي اعتبار ظن الزوج وقبول دعواه ظن ذلك م ر فرع علق طلاق زوجته على تأبر البستان هل يكفي تأبر بعضه كما يكفي في دخول ثمره في البيع أو لا بد من تأبر الجميع فيه نظر ويتجه لي الثاني

                                                                                                                              ( فرع ) علق شافعي طلاق زوجته الحنفية على صلاة فصلت صلاة تصح عندها دون الزوج فالمتجه الوقوع لصحتها بالنسبة لها حتى في اعتقاد الزوج

                                                                                                                              ( فرع ) وقع السؤال عمن قيل له طلق زوجتك بصيغة الأمر فقال نعم وبلغني أن بعضهم أفتى بعدم الوقوع محتجا بأن نعم هنا وعد لا يقع به شيء ، وفيه نظر بل تقدم الطلب بجعل التقدير نعم طلقتها بمعنى الإنشاء فالوقوع محتمل قريب جدا

                                                                                                                              ( قوله : فإنه كناية على الأوجه ) أي في شرح الروض أيضا



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أي زوجتك ) إلى قوله وما لو قال طلقت في النهاية

                                                                                                                              ( قوله : بينهما ) أي بلى ونعم ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله : وحكمه كما مر إلخ ) أي من أنه إن عرف النكاح الآخر والطلاق فيه ولو بإقرارها صدق بيمينه ، وإلا فلا يصدق ويقع حالا ( قول المتن ذلك ) أي أطلقت زوجتك ا هـ مغني ( قوله : ومنه ) أي من الالتماس

                                                                                                                              ( قوله : لو قيل له إلخ ) وقد يقال الفرق بين هذه ومسألة البغوي لا يخلو عن إشكال فإن قوله الطلاق يلزمك ما فعلت كذا حاصله إن فعلت كذا فزوجتك طالق فهذه أيضا مشتملة على التعليق فليتأمل ا هـ سيد عمر ويأتي عن سم ما يوافقه ( قول المتن فقال نعم ) ولو قصد بنعم الإخبار كاذبا هل يدين ا هـ سم أقول قضية قول الشارح ولصراحتها في الحكاية إلخ أنه لا يدين

                                                                                                                              ( قوله : اللازم منه ) أي مما قبلها أي من كونها حكاية له قوله لو قيل إلخ مقول قول القاضي عبارة المغني ولو قال شخص لآخر فعلت كذا فأنكر فقال إن كنت فعلت فامرأتك طالق فقال نعم ، وقد كان فعله لم يقع الطلاق كما في فتاوى القاضي ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : لم يكن شيئا ) أي على المعتمد ومثله ما يقع كثيرا من أنه [ ص: 134 ] يقال للزوج بعد عقد النكاح إن تزوجت عليها أو نحو ذلك وأبرأت من كذا فهي طالق فيقول نعم من غير تلفظ بتعليق ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله : ولا إنشاء ) الأولى ، ولا لالتماس إنشاء سيد عمر

                                                                                                                              ( قوله : معناه ) أي التعليق ع ش

                                                                                                                              ( قوله : فاندفع قول البغوي إلخ ) وللبغوي ومن أخذ بقوله أن يقول إن قوله إن فعلت فزوجتك طالق لا يحتمل إلا التماس التعليق فهو على تقدير همزة الاستفهام فوقوع نعم في جوابه يجعل معناها وتقديرها نعم إن فعلت كذا فزوجتي طالق على طريقة ما تقدم في توجيه وقوعها في جواب التماس غير التعليق ولعمري إنه وجيه ظاهر للمتأمل فالمبالغة عليه بما أطال به ونسبة ابن رزين ذلك الإمام إلى الاغترار بكلام البغوي الذي هو عمدة الشيخين مع موافقة المتولي من مشاهير الأصحاب في غير محلها فتدبر ا هـ سم

                                                                                                                              ( قوله : على الوجهين ) أي اللذين في المتن

                                                                                                                              ( قوله : فأفتى بالوقوع ) هل المراد بمجرد قوله نعم أو إذا وجدت الصفة المعلق عليها ، وهي الفعل سم أقول والمراد الأول ؛ لأن من تتمة تصوير المسألة وكان قد فعله ا هـ سيد عمر ومر آنفا عن المغني ما يوافقه

                                                                                                                              ( قوله : وتبعه إلخ ) أي المتولي ويحتمل ابن رزين

                                                                                                                              ( قوله : وبحث ) إلى قوله وما لو قال طلقت في النهاية

                                                                                                                              ( قوله : وبحث الزركشي إلخ ) اعتمده المغني والنهاية أيضا

                                                                                                                              ( قوله : إنه لو جهل السؤال إلخ ) فرع لو قصد السائل بقوله أطلقت زوجتك الإنشاء فظنه الزوج مستخبرا أو بالعكس فينبغي اعتبار ظن الزوج وقبول دعواه ظن ذلك م ر فرع علق طلاق زوجته على تأبر البستان هل يكفي تأبر بعضه كما يكفي في دخول ثمره في البيع أو لا بد من تأبر الجميع فيه نظر ويتجه لي الثاني فرع علق شافعي طلاق زوجته الحنفية على صلاة فصلت صلاة تصح عندها دون الزوج فالمتجه الوقوع لصحتها بالنسبة لها حتى في اعتقاد الزوج فرع وقع السؤال عمن قيل له طلق زوجتك بصيغة الأمر فقال نعم وبلغني أن بعضهم أفتى بعدم الوقوع محتجا بأن نعم هنا وعد لا يقع به شيء ، وفيه نظر بل تقدم الطلب يجعل التقدير نعم طلقتها بمعنى الإنشاء فالوقوع محتمل قريب جدا سم على حج ، وهو مستفاد من قول الشارح ، وفي الإنشاء أخرى ا هـ ع ش ( قوله حمل على الاستخبار ) أي فيكون جوابه إقرارا ويدين ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله : وما لو قال إلخ ) ونظيره الآتي عطف على قوله وما لو أشار إلخ ( قوله على الأوجه ) وفاقا للمغني وشرح الروض وصحح النهاية كونه صريحا

                                                                                                                              ( قوله : أيضا ) الأولى إسقاطه ( قوله بينه ) أي بين طلقت في جواب أطلقت زوجتك

                                                                                                                              ( قوله : بأنه ثم ) أي في طلقت بعد نحو طلقي نفسك إلخ ، وقوله : هنا أي في طلقت بعد أطلقت زوجتك

                                                                                                                              ( قوله : وما لو قال كان ) إلى [ ص: 135 ] الفصل في النهاية

                                                                                                                              ( قوله : وما لو قال إلخ ) عبارة المغني ولو قيل له أطلقت ثلاثا فقال قد كان بعض ذلك فليس إقرارا بالطلاق لاحتمال إلخ فلو فسر بشيء من ذلك قبل ولو قيل له إن جاء زيد فامرأتك طالق فقال نعم لم يكن تعليقا ولو قيل له ألك زوجة فقال لا لم تطلق ، وإن نوى ؛ لأنه كذب محض ولو قال لزوجته ما أنت لي بشيء كان لغوا لا يقع به طلاق ، وإن نوى ولو قال امرأتي طلقها زوجها ، ولم تتزوج غيره طلقت ا هـ مغني ، وفي البجيرمي عن القليوبي لو قيل له ألك عرس أو زوجة فقال لا أو أنا عازب فهو كناية عند شيخنا ولغو عند الخطيب ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : فكذلك ) أي لغو

                                                                                                                              ( قوله : كأنت علي حرام ) أي فإنه لا يوقع شيئا إن لم ينو ويوقع واحدة إن نوى فهو مثال لهما ، وقوله : قبل منه أي ظاهرا ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله : لو علقها ) أي الطلقة أو الثلاث ا هـ سيد عمر

                                                                                                                              ( قوله : بفعل ) أي لنفسه أو لغيره أو لهما

                                                                                                                              ( قوله : مع الجهل إلخ ) أي أو الإكراه

                                                                                                                              ( قوله : وفيما لو فعل إلخ ) أي المعلق بفعله من نفسه أو المبالي

                                                                                                                              ( قوله : فظن الوقوع ) أي وانحلال اليمين ( قوله مع شهادة قرينة النسيان له إلخ ) لم يظهر وجه الشهادة المذكورة ولعل المناسب أن يقول مع شهادة ظن الوقوع بفعله ناسيا بصدقه في هذا الظن أي ظن زوال التعليق ( قوله كما مر ) أي في شرح ففعله ناسيا للتعليق

                                                                                                                              ( قوله : وإنما لم يقبل إلخ ) أي ظاهرا ويدين ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله : اللازم له ) يغني عنه ما قبله

                                                                                                                              ( قوله : فقال ثلاثا ) خرج به ما لو قال الثلاث أو هي الثلاث فلا طلاق ، وإن نواه على ما مر في قوله أو قال : أنت الثلاث ونوى الطلاق لم يقع إلخ ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله : وأنه مبني على مقدر ) قد يقال إذا قدر ما ذكر فأي حاجة للنية ا هـ سيد عمر أقول والمحوج ضعف دلالة المقدر

                                                                                                                              ( قوله : وإلا ) أي ، وإن انتفى الأمران أو أحدهما ( قوله فبان أنها ذلك اليوم بائن ) أي لكونه طلقها قبل الدخول ثم جدد بعد ذلك اليوم أو لعدم تزوجها إذ ذاك ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله : وقع عليه الثلاث ) أي ظاهرا ا هـ ع ش أو يدين




                                                                                                                              الخدمات العلمية