الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4326 124 - حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش قال: حدثني إبراهيم، عن الأسود قال: كنا في حلقة عبد الله، فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلم، ثم قال: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم. قال الأسود: سبحان الله إن الله يقول إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار فتبسم عبد الله، وجلس حذيفة في ناحية المسجد فقام عبد الله فتفرق أصحابه، فرماني بالحصا فجئته فقال حذيفة: عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت، لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرا منكم، ثم تابوا فتاب الله عليهم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث النخعي الكوفي قاضيها، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن خاله الأسود بن يزيد النخعي. وعبد الله هو ابن مسعود، وحذيفة هو ابن اليمان.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن عمرو بن علي وغيره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم" أي: ابتلوا به. وأما الخيرية؛ فلأنهم كانوا من طبقة الصحابة فهم خير من طبقة التابعين، لكن الله ابتلاهم فارتدوا ونافقوا، فذهبت الخيرية عنهم. ومنهم من تاب فعادت إليه الخيرية.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن الجوزي: مقصود حذيفة أن جماعة من المنافقين صلحوا واستقاموا، فكانوا خيرا من أولئك التابعين لمكان الصحبة والصلاح، كمجمع ويزيد بن حارثة بن عامر كانا منافقين فصلحت حالهما واستقامت، وكأنه أشار بالحديث إلى تقلب القلوب.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن التين: كأن حذيفة حذرهم أن ينزع منهم الإيمان; لأن الأعمال بالخواتيم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال الأسود" هو الراوي. "سبحان الله" تعجبا من كلام حذيفة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فتبسم عبد الله" أي: ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إنما كان تبسمه تعجبا بحذيفة، وبما قام به من قول الحق وما حذر منه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فرماني" أي: قال الأسود: رماني حذيفة بن اليمان يستدعيه إليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال فجئته" أي: فجئت إلى حذيفة فقال: "عجبت من ضحكه" أي: من ضحك عبد الله بن مسعود، يعني: من اقتصاره على الضحك. والحال أنه قد عرف ما قلته من الحق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لقد أنزل النفاق" أي: لقد أنزل الله النفاق على قوم، هذا يدل على أن النفاق والكفر والإيمان والإخلاص بخلق الله تعالى وتقديره وإرادته، ولا يخرج شيء من إرادته.

                                                                                                                                                                                  والمنافق من أبطن الكفر وأظهر الإسلام، ويقال: النفاق إظهار خلاف ما بطن، مأخوذ من النافقاء وهو الموضع الذي يدخل منه اليربوع، فإذا طلبه الصياد منه خرج من القاصعاء، فيشبه المنافق به لخروجه من الإيمان، وسمي الفاسق منافقا؛ تغليظا، كما يسمى كافرا في قوله: "من ترك الصلاة فقد كفر".

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم تابوا فتاب الله عليهم" أي: ثم رجعوا عن النفاق فتابوا فتاب الله عليهم.

                                                                                                                                                                                  ويستفاد منه قبول توبة الزنديق وصحتها على ما عليه الجمهور، ومن هذا قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: إذا أتيت بزنديق فاستتبه، فإن تاب قبلت توبته، وكذلك قوله تعالى إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين الآية تدل على صحة توبة الزنديق وقبولها.

                                                                                                                                                                                  وقال الثعلبي: قوله فأولئك مع المؤمنين ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون حاد عن كلامهم؛ تغليظا عليهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية