الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4381 179 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، حدثنا إسماعيل، حدثنا زيد بن وهب، قال: كنا عند حذيفة فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة، فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تخبرونا فلا ندري، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا، قال: أولئك الفساق، أجل لم يبق منهم إلا أربعة: أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: (ما بقي من أصحاب هذه الآية) لأن إيراد البخاري هذا الحديث بهذه الترجمة يدل على أن المراد بهذه الآية هو قوله فقاتلوا أئمة الكفر الآية، ولكن الإسماعيلي اعترض بما رواه من حديث سفيان عن إسماعيل عن زيد، سمعت حذيفة يقول: ما بقي من المنافقين من أهل هذه الآية لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إلا أربعة أنفس، ثم قال الإسماعيلي: فإذا كان ما ذكر في خبر سفيان فحق هذا أن يخرج في سورة الممتحنة، وأما ذكر المنافقين في القرآن ففي كثير من سورة البقرة وآل عمران وغيرهما، فلم أتى بهذا الحديث في ذكرهم؟

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا النسائي وابن مردويه وافقا البخاري على إخراجهما من طريق إسماعيل عند آية "براءة" وليس عندهما تعيين الآية كما أخرجها البخاري أيضا مبهمة.

                                                                                                                                                                                  ويحيى هو القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أصحاب) بالنصب على أنه منادى حذف منه حرف النداء.

                                                                                                                                                                                  قوله: (تخبرونا) خبر "إن" ويروى: تخبروننا على الأصل؛ لأن النون لا تحذف إلا بناصب أو جازم، ولكن قد ذكرنا أنه لغة بعض العرب وهي لغة فصيحة، وتخبرونا بالتشديد والتخفيف.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إلا ثلاثة) سمى منهم في رواية أبي بشر عن مجاهد: أبو سفيان بن حرب، وفي رواية معمر عن قتادة: أبو جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان، وسهيل بن عمرو، ورد هذا بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر، وإنما ينطبق التفسير على من نزلت الآية المذكورة وهم أحياء، فيصح في أن أبا سفيان وسهيل بن عمرو، وقد أسلما جميعا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلا أربعة" لم يوقف على أسمائهم.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 264 ] قوله: (يبقرون) بالباء الموحدة والقاف من البقر وهو الشق، قال الخطابي: أي ينقبون. قال: والبقر أكثر ما يكون في الشجر والخشب. وقال ابن الجوزي: معناه يفتحون، يقال: بقرت الشيء إذا فتحته، ويقال: ينقرون بالنون بدل الباء.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أعلاقنا) بفتح الهمزة جمع علق بكسر العين المهملة وهو الشيء النفيس سمي بذلك لتعلق القلب به، والمعنى يسرقون نفائس أموالنا، وقال الخطابي: كل شيء له قيمة أو له في نفسه قدر فهو علق، وبخط الدمياطي بالغين المعجمة مضبوطة، وحكاه ابن التين أيضا ثم قال: لا أعلم له وجها.

                                                                                                                                                                                  قلت: له وجه؛ لأن الأغلاق بالغين المعجمة جمع غلق بفتح الغين واللام، وفي "المغرب" الغلق بالتحريك والمغلاق هو ما يغلق ويفتح بالمفتاح، والغلق أيضا الباب، فيكون المعنى يسرقون الأغلاق أي مفاتيح الأغلاق ويفتحون الأبواب ويأخذون ما فيه من الأشياء، أو يكون المعنى: يسرقون الأبواب وتكون السرقة كناية عن قلعها وأخذها؛ ليتمكنوا من الدخول فيها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أولئك الفساق) أي الذين يبقرون ويسرقون، وقال الكرماني: لا الكفار ولا المنافقون.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أجل) معناه نعم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أحدهم) أي أحد الأربعة ولم يدر اسمه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (لما وجد برده) يعني لذهاب شهوته وفساد معدته فلا يفرق بين الأشياء، وقال التيمي: يعني عاقبه الله في الدنيا ببلاء لا يجد معه ذوق الماء ولا طعم برودته، انتهى.

                                                                                                                                                                                  وحاصل معنى هذا الحديث أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن المنافقين، وكان يعرفهم ولا يعرفهم غيره بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من البشر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليه بأسماء عدة من المنافقين وأهل الكفر الذين نزلت فيهم الآية، ولم يسر إليه بأسماء جميعهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية