الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4407 سجيل: الشديد الكبير، سجيل وسجين، واللام والنون أختان، وقال تميم بن مقبل:


                                                                                                                                                                                  ورجلة يضربون البيض ضاحية ضربا تواصى به الأبطال سجينا



                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أشار به إلى قوله تعالى وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود وفسره بقوله: "الشديد الكبير" بالباء، وبالثاء المثلثة أيضا، وقال أبو عبيدة: هو الشديد من الحجارة الصلب، واعترض ابن التين بأنه لو كان معنى السجيل الشديد الكبير لما دخلت [ ص: 291 ] عليه من، وكان يقول: حجارة سجيلا؛ لأنه لا يقال: "حجارة من شديد".

                                                                                                                                                                                  قلت: يمكن أن يكون فيه حذف، تقديره: وأرسلنا عليهم حجارة كائنة من شديد كبير، يعني: من حجر قوي شديد صلب.

                                                                                                                                                                                  قوله: (سجيل وسجين) أراد به أنهما لغتان باللام والنون بمعنى واحد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (واللام والنون أختان) إشارة إلى أنهما من حروف الزوائد، وأن كلا منهما يقلب عن الآخر، واستشهد على ذلك بقول تميم بن مقبل بن حبيب بن عوف بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن عامر بن صعصعة العامري العجلاني، شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وكان أعرابيا جافيا أحد الغور من الشعراء المجيدين، والبيت المذكور من جملة قصيدته التي ذكر فيها ليلى زوج أبيه، وكان خلف عليها، فلما فرق الإسلام بينهما قال:


                                                                                                                                                                                  طاف الخيال بنا ركبا يمانيا ودون ليلى عواد لو تعدينا منهن معروف آيات الكتاب وإن
                                                                                                                                                                                  نعتل تكذب ليلى ما تمنينا



                                                                                                                                                                                  إلى أن قال:


                                                                                                                                                                                  وعاقد التاج أو سام له شرف من سوقة الناس عادته عوادينا
                                                                                                                                                                                  فإن فينا صبوحا إن أريت به ركبا بهيا وآلافا تمانينا
                                                                                                                                                                                  ورجلة يضربون البيض ضاحية ضربا تواصى به الأبطال سجينا



                                                                                                                                                                                  وهي من البسيط، والاستشهاد في قوله: "سجينا" لأنه بمعنى شديدا كثيرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ورجلة) قال الكرماني: الرجلة بمعنى الرجالة ضد الفرسان.

                                                                                                                                                                                  قلت: هو بفتح الراء، وسكون الجيم، وليس بمعنى الرجالة بل بمعنى الرجل بدون التاء، وفي الأصل الرجل جمع راجل خلاف الفارس، مثل صحب جمع صاحب، والظاهر أنه بضم الراء، والتقدير: وذوي رجلة أي رجولية، ويقال راجل جيد الرجلة بالضم يعني: كامل في الرجولية، وقال الكرماني: وهو بالجر، وقيل بالنصب معطوفا على ما قبله، وهو قوله: فإن فينا صبوحا.

                                                                                                                                                                                  قلت: ولم يبين وجه الجر، والظاهر أن الواو فيه واو رب أي رب ذوي رجلة.

                                                                                                                                                                                  وحكى ابن التين بالحاء المهملة، ولم يبين وجهه، فإن صح ذلك فوجهه أن يقال تقديره: وذوي رحلة بالضم أي قوة وشدة يقال: ناقة ذات رحلة أي ذات شدة وقوة على السير، وحكي هذا عن أبي عمرو.

                                                                                                                                                                                  قوله: (البيض) بكسر الباء جمع أبيض، وهو السيف، ويجوز بفتح الباء، جمع بيضة الحديد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ضاحية) أي في وقت الضحوة أو ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (تواصى) أصله تتواصى فحذفت إحدى التاءين، ويروى تواصت بالتاء في آخره.

                                                                                                                                                                                  قوله: (الأبطال) جمع بطل، وهو الشجاع.

                                                                                                                                                                                  قوله: (سجينا) بكسر السين المهملة، وتشديد الجيم، وقال الحسن بن المظفر النيسابوري: كأنه هو فعيل من السجن، يثبت من وقع فيه فلا يبرح مكانه، وقال المؤرخ: سجيل وسجين أي دائم، ورواه ابن الأعرابي سخينا بالخاء المعجمة، أي سخينا حارا يعني الضرب، وقال ابن قتيبة: السجيل بالفارسية سنك كل أي حجارة وطين. قلت: سنك بفتح السين المهملة، وسكون النون، وبالكاف، الصماء وهو الحجر بالفارسية، وكل بكسر الكاف الصماء، وسكون اللام الطين، فلما عرب كسرت السين؛ لأن العرب إذا استعملت لفظا أعجميا يتصرفون فيه بتغيير الحركات، وقلب بعض الحروف ببعض، وذكروا أقوالا في لفظ سجيل المذكور في الآية الكريمة وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ففي التلويح: واختلف في لفظ سجيل فقيل هو دخيل، وقيل هو عربي، وقيل هو الحجارة كالمدر، وقيل حجارة من سجيل طبخت بنار جهنم مكتوب عليها أسماء القوم، وقال الحسن: أصله طين شوي، وقال الضحاك: يعني الآجر، وقال ابن زيد: طبخ حتى صار كالآجر، وقيل اسم للسماء الدنيا، وقال عكرمة: سجيل بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض منه نزلت الحجارة، وقيل هي جبال في السماء، وهي التي أشار الله عز وجل إليها بقوله وينزل من السماء من جبال فيها من برد وقال الثعلبي: قيل هو فعيل من قول العرب أسجلته إذا أرسلته فكأنها مرسلة عليهم، وقيل هو من سجلت له سجلا إذا أعطيته كأنهم أعطوا ذلك البلاء والعذاب، وقال القزاز: سجيل عال.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية