الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما المائعات فلا تزال النجاسات بشيء منها إلا الماء ولا كل ماء بل الطاهر الذي لم يتفاحش تغيره بمخالطة ما يستغنى عنه .

ويخرج الماء عن الطهارة بأن يتغير بملاقاة النجاسة طعمه أو لونه أو ريحه .

التالي السابق


(وأما المائعات فلا تزال النجاسة بشيء منها إلا الماء) ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، وبه قال مالك وأحمد في رواية عنه ومحمد بن الحسن وزفر، وقال أبو حنيفة وأحمد في رواية أخرى عنه: يجوز إزالة النجاسة بالماء وبكل مائع طاهر مزيل للعين، وإنما قيدوا كونه مزيلا احترازا عن نحو الدهن واللبن والعصير مما ليس بمزيل، قال الشافعي ومن معه لأن المائع يتنجس بأول الملاقاة، والنجس لا يفيد الطهارة، لكن ترك هذا القياس في الماء بالإجماع، ولأبي حنيفة ما روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فمصعته بظفرها، ويروى فقصعته، المصع الإذهاب، والقصع الدلك، ولأن الماء مطهر لكونه مائعا مزيلا للنجاسة عن المحل فكل ما يكون كذلك فهو مطهر كالماء، وذكر التمرتاشي أن الدم إذا غسل ببول ما يؤكل لحمه تزول نجاسة الدم وتبقى نجاسة البول، ثم قال المصنف: (ولا كل ماء) تزال به النجاسة (بل الطاهر الذي لم يتفاحش تغيره لمخالطة ما يستغنى عنه) ، وفي نسخة: ما استغني عنه، وفي معنى المخالطة المجاورة، وفي شرح البهجة للولي العراقي: المجاور ما يمكن فصله كالعود والدهن ونحوهما، وهو لا يضر، والمخالط إن كان يسيرا لم يضر أو كثيرا، فإن لم يستغن عنه كالتراب الذي يثور ويقع في الماء والنورة والزرنيخ في مقره وممره لم يضر وإلا ضر لزوال اسم الماء (ويخرج الماء عن) وصف الطهارة سواء كان قليلا أو كثيرا (بأن يتغير بملاقاة النجاسة) أو مجاورتها أحد أوصافه الثلاثة (طعمه أو لونه أو ريحه) قال الرافعي: الماء قسمان راكد وجار وبينهما بعض الاختلاف في كيفية قبول النجاسة وزوالها ولا بد من التميز بينهما، أما الراكد فينقسم إلى قليل وكثير، أما القليل فينجس بملاقاة النجاسة تغير بها أو لا، وأما الكثير فينجس إذا تغير بالنجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم: خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه، وهو نص على الطعم والريح، وقاس الشافعي اللون عليهما، وإن لم يتغيرا .

قال الحافظ: هذا الكلام تبع فيه صاحب المهذب، وكذا قاله الروياني في البحر، وكأنهما لم يقفا على الرواية التي فيها ذكر اللون وهي ما رواه البيهقي من حديث أبي أمامة بلفظ: إن الماء الطاهر إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه، أورده من طريق عطية بن لهيعة عن أبيه عن ثور عن راشد بن سعد عن أبي أمامة، ورواه الطحاوي والدارقطني من طريق راشد بن سعد مرسلا بلفظ: الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه، زاد الطحاوي: أو لونه، وصحح أبو حاتم إرساله. قال الدارقطني: ولا يثبت هذا الحديث، وقال الشافعي: ما قلت من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه ولونه كان نجسا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله، وهو قول العامة ولا أعلم بينهم خلافا، وقال النووي: اتفق المحدثون على تضعيفه .




الخدمات العلمية