الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قلت أفتقول : إن هذه العادات التي أحدثها الصوفية في هيئاتهم ونظافتهم من المحظورات أو المنكرات .

فأقول حاش لله أن أطلق القول فيه من غير تفصيل ولكني أقول إن هذا التنظف والتكلف وإعداد الأواني والآلات واستعمال غلاف القدم والإزار المقنع به لدفع الغبار وغير ذلك من هذه الأسباب إن وقع النظر إلى ذاتها على سبيل التجرد فهي من المباحات وقد يقترن بها أحوال ونيات تلحقها تارة بالمعروفات وتارة بالمنكرات فأما كونها مباحة في نفسها فلا يخفى أن صاحبها متصرف بها في ماله وبدنه وثيابه فيفعل بها ما يريد إذا لم يكن فيه إضاعة وإسراف .

التالي السابق


(فإن قلت أفتقول: إن هذه العادات التي أحدثتها) السادة (الصوفية في هيئاتهم ونظافتهم) في الملابس ومبالغتهم في أمور العبادات بإعداد أوان مخصوصة للاستنجاء وغير ذلك أنها تعد (من المحظورات) المحرمات (والمنكرات فأقول) في الجواب (حاش الله) ويقال: حاش فلان بالجر وبالنصب أيضا كلمة استثناء تمنع العامل من تناوله تقال عند التنزيه (أن أطلق القول فيه) مجملا (من غير تفصيل) [ ص: 311 ] يميز الصحيح من السقيم (ولكن أقول هذه التكلفات) التي أحدثوها في أحوالهم (وهذا التنظف) والتعمق (وإعداد الأواني) أي تهيئتها (وإحضار الآلات) للاستنجاء والوضوء والغسل وغيرها (واستعمال غلاف القدم) من جلد أو صوف (و) استعمال (الإزار) وهي الطرحة البيضاء أو على أي لون كان من مصبوغ بطين أو غيره (المتقنع به) أي جعله كالقناع على الوجه، وقد عقد الترمذي في الشمائل بابا فيما جاء في تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأورد فيه حديث: كان عليه السلام يكثر من القناع وهي الخرقة تجعل على الرأس لتقي نحو العمامة عما بها من الدهن وقيل: التقنع أعم من ذلك، ويؤيده حديث إتيانه صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر رضي الله عنه للهجرة في القابلة متقنعا بثوبه أي متغشيا به فوق العمامة لا تحتها هذا هو الظاهر، وهو أعم من أن يكون ذلك التقنع (لدفع الغبار) أو لحفظ النظر من الوقوع يمينا وشمالا عما لا يليق (وغير ذلك من هذه الأسباب) مما لهم فيها من الهيئات، وخلاصة القول فيه أنه (إن وقع النظر إلى ذاتها على سبيل التجرد) من غير التفات إلى عوارضها (فهي من المباحات) الشرعية (وقد تقترن بها أحوال) حسنة (ونيات) صالحة (تلحقها تارة بالمعروفات) وذلك إذا صلح القصد (وتارة بالمنكرات) إذا فسد القصد (فأما كونها مباحة في نفسها) شرعا (فلا يخفى) على المتأمل (أنه متصرف بها في ماله وبدنه وثيابه فليفعل بها ما يريد) لا حرج عليه (إذا لم يكن فيه إضاعة وإسراف) وتبذير، أما حينئذ فيحرم عليه لأنه ورد النهي عن ذلك، وذكر ابن حجر المكي في شرح الشمائل أن بذاذة الهيئة ورثاثة الملابس من سيرة السلف الماضين، واختاره جماعة من متأخري الصوفية فلهم في ذلك زي معروف وصبغة مشهورة، وذلك لأنهم لما رأوا أهل الدنيا يتفاخرون بالزينة والملابس أظهروا لهم رثاثة ملابسهم حقارة ما حقره الحق تعالى مما عظمه الغافلون، والآن فقد قست القلوب ونسي ذلك المعنى فاتخذ الغافلون رثاثة الهيئة حيلة على جلب الدنيا فانعكس الأمر فصارت مخالفتهم في ذلك لله متبعا للسلف .

وبالجملة فأهل الله تعالى وخواصه لا يقصدون في هيئاتهم إلا وجه الله حسبما تتعلق بها المصالح الشرعية مما ألقي في روعهم من الإلهامات والإشارات، فلا ينبغي الإنكار عليهم فيها. .




الخدمات العلمية