الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما مصيرها منكرا فبأن يجعل ذلك أصل الدين ويفسر به قوله صلى الله عليه وسلم بني الدين على النظافة حتى ينكر به على من يتساهل فيه الأولين أو يكون القصد به تزيين الظاهر للخلق وتحسين موقع نظرهم فإن ذلك هو الرياء المحظور فيصير منكرا بهذين الاعتبارين أما كونه معروفا فبأن يكون القصد منه الخير دون التزين وأن لا ينكر على من ترك ذلك ولا يؤخر بسببه الصلاة عن أوائل الأوقات ولا يشتغل به عن عمل هو أفضل منه أو عن علم أو غيره فإذا لم يقترن به شيء من ذلك فهو مباح يمكن أن يجعل قربة بالنية ولكن لا يتيسر ذلك إلا للبطالين الذين لو لم يشتغلوا بصرف الأوقات فيه لاشتغلوا بنوم أو حديث فيما لا يعني فيصير شغلهم به أولى لأن الاشتغال بالطهارات يجدد ذكر الله تعالى وذكر العبادات فلا بأس به إذا لم يخرج إلى منكر أو إسراف .

وأما أهل العلم والعمل فلا ينبغي أن يصرفوا من أوقاتهم إليه إلا قدر الحاجة فالزيادة عليه منكر في حقهم وتضييع العمر الذي هو أنفس الجواهر وأعزها في حق من قدر على الانتفاع به .

ولا يتعجب من ذلك ، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين .

التالي السابق


(وأما تصييرها منكرا) أي جعلها في حد المنكرات (فبأن يجعل ذلك أصل الدين) ومبناه (ويفسر) عليه (قوله صلى الله عليه وسلم بني الدين على النظافة) ، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله نظيف يحب النظافة (حتى ينكر به على من تساهل فيه) أو يقصر مثل (تساهل الأولين) من السلف الصالحين (و) مما يصيره منكرا (أن يكون القصد به) أي بمجموع تلك الهيئات (تزيين الظاهر للخلق) ليحبوه (وتحسين موقع نظرهم) عليه (فإن ذلك) الفعل (هو الرياء المحذور) أي الممنوع منه، وهو الشرك الخفي (فيصير منكرا بهذين الاعتبارين) وقد يفضي ذلك إلى صفات أخرى ذميمة لأجلها يصير منكرا لا محالة (أما كونه معروفا فبأن يكون القصد فيه الخير دون التزين) للخلق، والمراد بقصد الخير هو ما رواه أصحاب السنن الأربعة: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، أي لإنبائه عن إكمال الباطن، وهو الشكر على النعمة (وأن لا ينكر على من ترك ذلك) فإنه مما يدل على جهله بحال السلف وترفعه على المسلمين (و) أن (لا يؤخر بسببه الصلاة) مع الأئمة في الجماعات (عن أوائل الأوقات) إذ هي رضوان الله الأكبر وذلك بأن يشتغل به فلا يمكنه اللحوق مع الجماعة في أول الوقت (و) أن (لا يشتغل به عن عمل هو أفضل منه) وأولى بالاشتغال به (أو عن علم) وفي بعض النسخ أو عن تربية علم أي بالتعلم والتعليم والمطالعة والمذاكرة والتصدي لتأليف ما هو النافع (أو غيره) من أعمال البر وهي كثيرة (فإن) وفي بعض النسخ فإذا (لم يقترن به شيء من ذلك) الذي ذكر (فهو مباح) شرعي بل (يمكن أن يجعل قربة) إلى الله تعالى (بالنية) الصالحة (ولكن لا يتيسر ذلك) غالبا (إلا للبطالين) عن الأوراد الشرعية (الذين إن لم يشتغلوا بصرف الأوقات إليه لاشتغلوا) لا محالة (بنوم) أو سعي فيما لا يحل شرعا (أو حديث فيما لا يعني) ولا يهتم به، أو جمعية بمن لا يغني (فيصير شغلهم) [ ص: 312 ] أي هؤلاء البطالين (به أولى) وأفضل (لأن التشاغل بالطهارات) والتفنن فيها (يجدد ذكر الله عز وجل) في الجملة (و) أيضا يجدد (ذكر العبادات) فإنه ما من طهارة إلا ويراعى فيها شأن العبادة التي تقع بعدها كصلاة قراءة أو قرآن أو سماع حديث وغير ذلك (فلا بأس به) لهؤلاء (إذا لم يخرج عن حد) الاعتدال والعرف (إلى منكر) شرعي أو عرفي (أو إسراف) أو تبذير أو ترتب مفسدة (وأما أهل العلم) الذين يرتاضون في تحصيل العلم تعلما وتعليما وبذلا لأهله وتأليفا (و) أما أهل (العمل) فهم المشتغلون بالذكر والمراقبة والمحافظة على العبادات (فلا ينبغي أن يصرف من أوقاتهم إليه إلا قدر الحاجة) إليه (والزيادة عليه في حقهم منكر وتضييع العمر الذي هو أنفس الجواهر) وأغلاها (وأعزها في حق من قدر على الانتفاع به) ومحافظة العمر عندهم كناية عن محافظة الأوقات بحفظ الأنفاس عن خطور خيال السوى عليها، وهو من أهم المهمات وأوكد الواجبات (ولا تعجب من ذلك، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين) قال الحافظ السخاوي في المقاصد: هو من كلام أبي سعيد الخراز. رواه ابن عساكر في ترجمته مرفوعا .




الخدمات العلمية