الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الرابع .

وهو أيضا مستند إلى الشك وذلك ، من خوف الخاتمة فإنه لا يدري أيسلم له الإيمان عند الموت أم لا ؟ فإن ختم له بالكفر حبط عمله السابق لأنه موقوف على سلامة الآخر ولو سئل الصائم ضحوة النهار عن صحة صومه ، فقال أنا صائم قطعا فلو أفطر في أثناء نهاره بعد ذلك لتبين كذبه إذ كانت الصحة موقوفة على التمام إلى غروب الشمس من آخر النهار .

وكما أن النهار ميقات تمام الصوم فالعمر ميقات تمام صحة الإيمان ووصفه ، بالصحة قبل آخره بناء على الاستصحاب وهو مشكوك فيه والعاقبة مخوفة ولأجلها كان بكاء أكثر الخائفين لأجل أنها ثمرة القضية السابقة والمشيئة الأزلية التي لا تظهر إلا بظهور المقضي به ، ولا مطلع عليه لأحد من البشر فخوف الخاتمة كخوف السابقة ، وربما يظهر في الحال ما سبقت الكلمة بنقيضه فمن الذي يدري أنه من الذين سبقت لهم من الله الحسنى .

التالي السابق


(الوجه الرابع) * وهو آخر الوجوه (وهو مستند أيضا إلى الشك، و) ليس (ذلك) الشك في حقيقة الإيمان، وإنما ذلك (من خوف الخاتمة) أي الحالة التي يختم عليها للعبد، (فإنه لا يدري أيسلم الإيمان عند الموت) بثباته عليه (أم لا؟ فإن ختم بالكفر) عياذا بالله (حبط الإيمان السابق) يقال: حبط العلم من باب تعب حبوطا، فسد وهدر، ومن باب ضرب لغة فيه، كما في المصباح، وأراد به حبوط أصل الإيمان; (لأنه موقوف على سلامة الآخرة) ، ولذا قالوا: الخاتمة تضحك على الأعمال .

وحاصل ما أشار إليه أنه يصح أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله بناء على العبرة في الإيمان والكفر، والسعادة والشقاوة بالخاتمة، حتى إن المؤمن السعيد من مات على الإيمان، وإن كان طول عمره على الكفر والعصيان، والكافر الشقي من مات على الكفر، وإن كان طول عمره على التصديق والشكر، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل عمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها، وإنما الأعمال بالخواتيم" .

(ولو سئل الصائم ضحوة النهار) أي عن ارتفاعه [ ص: 275 ] (عن صحة صومه، فقال) في الجواب: (أنا صائم قطعا فلو) اتفق أنه (أفطر بعد ذلك) في نهاره تبين كذبه إذ كانت الصحة موقوفة على التمام، (إلى غروب الشمس) فلما لم يتم إلى غروب الشمس لم يصح صومه، (وكما أن النهار) ، وهو من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، واليوم من لدن طلوع الفجر إلى غروب الشفق، وقد يطلق أحدهما على الآخر توسعا، (ميقات تمام الصوم) ، والميقات الوقت المضروب للشيء، (فالعمر) هو بقاء الإنسان من لدن ولادته إلى موته، (ميقات تمام الإيمان، فوصفه بالصحة) ، أي أنه حق صحيح (قبل آخره بناء على الاستصحاب) ، أي التمسك بما كان سابقا إبقاء لما كان على ما كان، (وهو مشكوك فيه) بعدم تساوي صدقه على أفراده .

(والعاقبة مخوفة) وعاقبة كل شيء آخره، ومخوفة أي يخاف منها، (ولأجلها كان بكاء أكثر الخائفين) لله تعالى كما يعرف من سير طبقات المشايخ، وأحوال الأولياء، ويأتي شيء من ذلك للمصنف في ربع المهلكات، (لأ) جل (أنها) أي: العاقبة وهي الخاتمة، أي: حسنها (ثمرة القضية السابقة) ، أي: نتيجتها (و) ثمرة (المشيئة الأزلية) وهي الغاية السابقة لإيجاد المعدوم، أو إعدام الموجود (التي لا تظهر إلا بظهور المقضي به، ولا يطلع عليه بشر) .

وفي بعض النسخ: أحد من البشر (فخوف الخاتمة لخوف السابقة، وربما يظهر في الحال ما سبقت الكلمة) ، أي قوله: أنا مؤمن (بنقيضه) وضده (فمن الذي يدري أنه من الذين سبقت لهم من الله الحسنى) ، وفي بعض النسخ: من الذي سبقت له، والأولى موافق للآية في الجملة : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون والحسنى: تأنيث الأحسن، فسرت بالجنة، فظهر أن المعتبر هو إيمان الموافاة الواصل إلى آخر الحياة، قال أبو منصور البغدادي: الإيمان مرتبط أوله بآخره، وتعود أحوال المكلفين في النهايات إلى ما سبق لهم في البدايات فلا بد من مراعاة العواقب في الأمور الدينية، وهذا وجه الاستثناء .




الخدمات العلمية