الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
أو كان به جراحة أو مرض وخاف من استعماله فساد العضو أو شدة الضنا .

التالي السابق


ثم أشار المصنف إلى السبب الخامس من أسباب العجز بقوله : (أو كان به جراحة) وهي نوع خاص من المرض فيكون ذكر قوله أو مرض إلى آخره بعده من باب التعميم بعد التخصيص والجراحة قد تحتاج إلى إلقاء لصوق بها من خرقة أو قطنة ، فإذا لم يكن على الجراحة لصوق فلا يجب المسح على محل الجرح وهل يجب إلقاء اللصوق عليه عند إمكانه فيه وجهان قال الشيخ أبو محمد : يجب واستبعد إمام الحرمين ذلك ، وقال : إنه لا نظير له في الرخص وليس للقياس مجال فيها ، وقد جعل المصنف الجراحة سببا مستقلا من أسباب العجز في كتابه الوجيز ؛ ولذا فصلته عما بعده تبعا له وإلا فسياقه دال على أنه مع ما بعده سبب واحد ، ثم أشار إلى السبب السادس من أسباب العجز بقوله : (أو) كان به (مرض وخاف من استعماله) ، أي : الماء (فساد العضو أو شدة الضنى) اعلم أن المرض على ثلاثة أقسام القسم الأول ما يخاف معه من الوضوء فوت الروح أو فوت عضو أو منفعة عضو فيبيح التيمم ولو خاف مرضا مخوفا تيمم على المذهب ، وهو الذي ذكره المزني في المختصر والمسعودي وغيره في الشروح ، وقد حكى إمام الحرمين [ ص: 389 ] في المرض المخوف طريقين أحدهما الذي ذكر ، والثاني أن فيه قولين وظاهر المذهب القطع بالجواز هو الذي اقتصر عليه النووي في الروضة الثاني المرض الذي يخاف من استعمال الماء معه شدة الضنى ، وهو المرض المدنف الذي يجعله مضنى أو زيادة العلة أو بطء البرء أو بقاء الشين القبيح ، أما زيادة العلة أو بطء البرء فقد حكوا فيها ثلاثة طرق أظهرها أن في جواز التيمم للخوف منها قولين أحدهما المنع وأظهرهما الجواز ، وبه قال مالك وأبو حنيفة ، فإن قلت : ما الفرق بين زيادة العلة وبطء البرء ؟ فالجواب أن المراد من زيادة العلة إفراط الألم وكثرة المقدار ، وإن لم تمتد المدة ومن بطء البرء امتداد المدة ، وإن لم يزد القدر ، وقد يجتمع الأمران ، وأما شدة الضنى فهو نوع من المرض خاص وفيه الطريقان الأولان ، وأما بقاء الشين على بدنه فينظر إن خاف شيئا قبيحا على عضو ظاهر كالسواد الكثير في الوجه ففيه ثلاثة طرق أيضا أحدها الجزم بالجواز ؛ لأنه يشوه الخلقة ويحكى ذلك عن ابن سريج والإصطخري ، والثاني الجزم بالمنع ؛ إذ ليس فيه بطلان عضو ولا منفعته ، وإنما هو فوات جمال ، وإن خاف شيئا يسيرا كأثر الجدري فلا عبرة به ، وكذلك لو خاف شينا قبيحا على غير الأعضاء الظاهرة الثالث المرض الذي لا يخاف من استعمال الماء معه محذورا في العاقبة فلا ترخص في التيمم إن كان يتألم في الحال لجراحة أو برد أو حر ؛ لأنه واجد للماء قادر على استعماله من غير ضرر شديد واعلم أن المرض المرخص لا يفترق فيه الحال بين أن يعرفه بنفسه وبين أن يخبره بذلك طبيب حاذق بشرط كونه مسلما بالغا عدلا ، وفي وجه يقبل في ذلك خبر الصبي المراهق والفاسق أيضا ولا فرق بين الحر والعبد والذكر والأنثى ؛ لأن طريقة الخبر وأخبارهم مقبولة ولا يشترط فيه العدد وحكىأبو عاصم العبادي فيه وجها ، وهذا كله فيما إذا منعت العلة استعمال الماء أصلا لعموم القدر جميع موضع الطهارة وضوءا كان أو غسلا ، وإن تمكنت العلة من بعض الأعضاء دون بعض غسل الصحيح بقدر الإمكان قال النووي في الروضة : قلت : وإذا لم يوجد طبيب بشرطه قال أبو علي السنجي : لا يتيمم ولا فرق في هذا السبب بين الحاضر والمسافر والحدث الأصغر والأكبر ولا إعادة فيه .



(تنبيه)

قد ذكر المصنف هذه الأسباب الستة من أسباب العجز المبيح للتيمم ، وقد ذكر في الوجيز سببا سابعا ، وهو العجز بسبب الجهل ، كما إذا نسي الماء في رحله واعترضه الرافعي بأن السبب المبيح هنا إنما هو الفقد في ظنه إلا أنه تبين بعد ذلك أنه لم يكن فقد ولا شك أن الأسباب المبيحة يكفي فيها الظن ولا يعتبر اليقين ، وإذا كان كذلك فليس هذا سببا خارجا عما تقدم واللائق ذكره في أحد موضعين إما آخر سبب الفقد ، وإما الفصل المعقود في أنه هل يقضي من الصلوات المختلفة ، وقال النووي في الروضة : بل له هنا وجه ظاهر ، فإن من جملة صوره إذا أضل رحله أو ماء فهذا من وجه كالواجد فيتوهم أنه لا يجوز التيمم ومن وجه عادم فلهذا ذكره المصنف في الأسباب المبيحة للإقدام على التيمم والله أعلم اهـ .

قلت : الرافعي لا ينكر أن تلك الصورة من جملة الأسباب المبيحة ، وإنما اعتراضه على المصنف في عده سببا مستقلا مع أنه داخل فيما تقدم ومما يؤيده أنه لم يذكره في هذا الكتاب فكأنه رأى إدراجه في فصل الفقد فتأمل بإنصاف ، ثم إن جعلنا الجراحة داخلة في أنواع المرض ، كما يقتضيه سياق المصنف هنا فيكون المذكور من الأسباب خمسة أشياء فقط فتأمل .



(تنبيه) آخر ذكر أصحابنا في المرض المبيح هو الذي يخاف منه اشتداد المرض أو بطء البرء باستعمال الماء كالمحموم وذي الجدري أو تحركه كالمبطون ومشتكي العرق المدني ، وفي البرد الذي يخاف منه بغلبة الظن التلف لبعض أعضائه أو المرض إذا كان خارج العمران ولو القرى التي يوجد بها الماء المسخن أو ما يسخن به ، وإذا عدم الماء المسخن به في المصر فهي كالبرية وذكروا في جملة الأسباب المبيحة الاحتياج إلى الماء لعجن ؛ لأنه من الأمور الضرورية لا لطبخ مرق ومنها فقد آلة الاستقاء لتحقق العجز فصار وجود البئر كعدمها .


(تنبيه)

آخر الماء الموضوع في الخوابي في الفلوات لا يمنع التيمم ؛ لأنه لم يوضع إلا للشرب ، وعن الإمام أبي بكر النجاري يجوز التوضؤ منه قال : والموضوع للوضوء لا يباح منه [ ص: 390 ] الشرب .



(تنبيه)

آخر العاجز عن استعمال الماء بنفسه ولا يجد من يوضئه يتيمم اتفاقا ، وإن وجد معينا لا اتفاقا ، كما في المحيط ويروى عن أبي حنيفة جواز التيمم فيما إذا وجد غير خادم لو استعان به أعانه ، لكنه خلاف ظاهر المذهب وأصل الخلاف في أن القدرة بالغير لا تعد قدرة عنده ، وعند صاحبيه تثبت القدرة بالغير ، واختار حسام الدين الشهيد قولهما ومن جملة الأسباب المبيحة خوف فوت صلاة جنازة ولو جنبا ولو ولي الميت ، كما في ظاهر الرواية وصححه السرخسي أو خوف فوت صلاة عيد ولو بناء فيهما وفيه خلاف للشافعي رضي الله عنه .




الخدمات العلمية