الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الإمام أبو منصور الماتريدي، فهو محمد بن محمد بن محمود الحنفي المتكلم، و"ماتريد"، ويقال: "ماتريت"، بالمثناة الفوقية، بدل الدال في آخره: محلة بسمرقند، أو قرية بها، ويلقب بإمام الهدى، وترجمه الإمام المحدث محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفا القرشي الحنفي، في الطبقات، المسمى "بالجواهر المضيئة"، والإمام مجيد الدين أبو الندى إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى الكناني البلبيسي القاهري الحنفي، في كتاب الأنساب، كل منهما على الاختصار، وكذا يوجد بعض أحواله في انتساب كتب المذهب .

وحاصل ما ذكروه أنه كان إماما جليلا مناضلا عن الدين، موطدا لعقائد أهل السنة، قطع المعتزلة وذوي البدع في مناظراتهم، وخصمهم في محاوراتهم، حتى أسكتهم، تخرج بالإمام أبي نصر العياضي، وكان يقال له: إمام الهدى، وله مصنفات، منها كتاب "التوحيد"، وكتاب "المقالات" وكتاب "رد أوائل الأدلة" للكعبي، وكتاب "بيان وهم المعتزلة" وكتاب "تأويلات القرآن"، وهو كتاب لا يوازيه فيه كتاب بل لا يدانيه شيء من تصنيف من سبقه في ذلك الفن، وله غير ذلك، وكانت وفاته سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمئة، بعد وفاة أبي الحسن الأشعري بقليل، وقبره بسمرقند، كذا وجد بخط الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن المنير الحلبي الحنفي، ووجدت في بعض المجاميع بزيادة محمد بعد محمود، وبالأنصاري في نسبه، فإن صح ذلك فلا ريب فيه؛ فإنه ناصر السنة، وقامع البدعة، ومحيي الشريعة، كما أن كنيته تدل على ذلك أيضا .

ووجدت في كلام بعض الأجلاء من شيوخ الطريقة أنه كان مهدي هذه الأمة في وقته، ومن شيوخه الإمام أبو بكر أحمد بن إسحاق بن صالح الجوزجاني صاحب "الفرق والتمييز"، وأما شيخه المذكور أبو نصر العياضي الذي تخرج به هو أحمد بن العباسي بن الحسين بن جبلة بن غالب بن جابر بن نوفل بن عياض بن يحيى بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الفقيه السمرقندي، ذكره الإدريسي في تاريخ سمرقند، وقال: كان من أهل العلم والجهاد، ولم يكن أحد يضاهيه؛ لعلمه وورعه وجلادته وشهامته، إلى أن استشهد خلف أربعين رجلا من أصحابه كانوا من أقران أبي منصور الماتريدي، وله ولدان فقيهان فاضلان، أبو بكر، وأبو أحمد.

التالي السابق


الخدمات العلمية