فهذا الفن أيضا مما يتفاوت أرباب الظواهر وأرباب البصائر في علمه ، وتظهر به مفارقة الباطن للظاهر .
وفي هذا المقام لأرباب المقامات إسراف واقتصاد فمن مسرف في رفع الظواهر ، انتهى إلى تغيير جميع الظواهر والبراهين ، أو أكثرها حتى حملوا قوله تعالى : وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم  وقوله تعالى : وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء  وكذلك المخاطبات التي تجري من منكر ونكير وفي الميزان والصراط والحساب ومناظرات أهل النار وأهل الجنة في قولهم : أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله  زعموا أن ذلك كله بلسان الحال . 
وغلا آخرون في حسم الباب منهم  أحمد بن حنبل  رضي الله عنه حتى منع تأويل قوله : كن فيكون  وزعموا أن ذلك خطاب بحرف وصوت يوجد من الله تعالى في كل لحظة بعدد كون مكون حتى سمعت بعض أصحابه يقول : إنه حسم باب التأويل إلا لثلاثة ألفاظ قوله صلى الله عليه وسلم :  " الحجر الأسود يمين الله في أرضه وقوله " صلى الله عليه وسلم :  " قلب المؤمنين بين إصبعين من أصابع الرحمن وقوله " صلى الله عليه وسلم :  " إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمين " ومال إلى حسم الباب أرباب الظواهر . 
والظن بأحمد بن حنبل  رضي الله عنه أنه علم أن الاستواء ليس هو الاستقرار ، والنزول ليس هو الانتقال ولكنه منع من التأويل ؛ حسما للباب ، ورعاية لصلاح الخلق .  
فإنه إذا فتح الباب اتسع الخرق وخرج الأمر عن الضبط ، وجاوز حد الاقتصاد إذ حد ما جاوز الاقتصاد لا ينضبط فلا بأس بهذا الزجر ويشهد له سيرة السلف فإنهم كانوا يقولون : أمروها كما جاءت . 
     	
		
				
						
						
