الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
لأن العالم محكم في صنعته مرتب في خلقته ومن رأى ثوبا من ديباج حسن النسج والتأليف ، متناسب التطريز والتطريف ثم توهم صدور نسجه عن ميت لا استطاعة له ، أو عن إنسان لا قدرة له كان منخلعا عن غريزة العقل ومنخرطا في سلك أهل الغباوة والجهل .

التالي السابق


ثم أقام المصنف الدليل على ذلك فقال: (لأن العالم محكم في صنعته إحكاما عجيبا مرتبا في خلقته) ترتيبا غريبا (ومن رأى ثوبا من ديباج) قال صاحب المصباح: هو ثوب سداه ولحمته إبريسم، ويقال: هو معرب (حسن النسج والتأليف، متناسب التطريز والتطريف) يقال: طرز الثوب تطريزا، إذا جعل له طرازا، وهو العلم في الثوب، والتطريف بمعناه، يقال: ثوب مطرف، إذا كان من خزله أعلام، وقد طرفه وأطرفه بمعنى (ثم توهم) أي: ظن (صدور نسجه) وتأليفه (عن ميت لا استطاعة له، أو عن إنسان لا قدرة له) قال الراغب: الاستطاعة وجود ما يصير به الفعل ممكنا، وعند المحققين اسم للمعاني التي يتمكن المرء بها مما يريده من إحداث فعل، والاستطاعة أخص من القدرة (كان منخلعا عن غريزة العقل) كأنه عدمها (ومنخرطا في سلك أهل الغباوة والجهل) في كتاب "محجة الحق" لأبي الخير القزويني ما نصه: أما الأصل الأول في معرفة كون الباري تعالى عالما قادرا، والدليل عليه صدور الأفعال المحكمة المتقنة عنه، مثل خلق السموات والأرض وغيرها من الصنائع والبدائع في عجائب التركيب والترتيب، ويدل ذلك قطعا على كون صانعها عالما بها قادرا عليها، فإن من يرى خطا منظوما أو ديباجا منسوجا ويجوز صدوره من جاهل به عاجز عنه يكون عن حيز العقل والقدرة معا في أصل واحد .

قال السبكي في "شرح الحاجبية": اعلم أن القادر عند أهل السنة هو المتمكن من الفعل والترك بحسب الداعي الذي هو الإرادة، وإن شئت تقول: هو الذي إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، وتقول: هو الفاعل على مقتضى العلم والإرادة، وأهل النظر العقلي من أهل السنة يقولون: إن كل ما تتوقف دلالة السمع عليه لا يكفي فيه السمع، فأقوى دليل لهم على أنه تعالى قادر بذلك التفسير أن يقال: قد ثبت حدوث العالم كما مر، فصانعه لو لم يكن قادرا للزم تخلف المعلوم عن علته، وهو محال، أما الملازمة فلأن صانع العالم قديم، فلو لم يكن على ذلك التقدير قادرا، فكان موجبا بالذات، لزم التخلف المذكور، وأيضا لو كان موجبا لزم من ارتفاع العالم ارتفاعه; لأن ارتفاع الملزوم من لوازم ارتفاع اللازم، لكن ارتفاع الواجب محال .



(فصل)

والمحدث يقول: قال الله تعالى: قل هو القادر ، وهو على كل شيء قدير ، وأما الصوفي فيقول: كيف لا يكون قادرا وهو قد أقدر العباد على طاعته؟ وجعل ذلك صفة كمال فيهم، وهو أولى بالكمال، بل هو منفرد به، فلا قادر في التحقيق إلا هو، إذ لا فاعل إلا هو، وأيضا فإنا إذا نظرنا في أنفسنا واستقرينا من أحوالنا وجدنا ما يبدو في ذواتنا من الأفعال على قسمين: منهما ما يكون مصحوبا باعتبارنا كزيادة مقدار أجسامنا طولا وعرضا، وما كان من هذا القبيل فهو يقف عند أمر خاص ولا يمر إلى غير نهاية، فنسبة وقوفه عند ذلك الحد كنسبة وقوفنا في المتحرك فيه، ووقوفنا فيما يتحرك فيه فعل اختياري، ووقوف أجسامنا عند حدها فعل اختياري، وكل اختياري لا يكون عن موجب، ولا عن طبع، وما لا يكون عن موجب ولا عن طبع فهو عن قادر، فالفاعل لذواتنا قادر، ولا يكون ذلك الفاعل إلا الله؛ إذ ما سواه مثلنا، والكلام فيه كالكلام فينا .




الخدمات العلمية