الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وتسبيح الحصى .

التالي السابق


(وتسبيح الحصى) قال العراقي: أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من حديث أبي ذر، وقال صالح بن الأخضر: ليس بالحافظ، والمحفوظ رواية رجل من بني سليم لم يسم، عن أبي ذر. اهـ .

قلت: عبارة البيهقي في الدلائل: كذا رواه صالح بن أبي الأخضر، ولم يكن بالحافظ، عن الزهري، عن سويد بن يزيد السلمي، عن أبي ذر، والمحفوظ ما رواه شعيب عن أبي حمزة عن الزهري، قال: وذكر الوليد بن سويدان رجلا من بني سليم كبير السن. اهـ .

قلت: وهكذا أخرجه محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات، قال: أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن أبي حمزة عن الزهري قال: ذكر الوليد بن سويدان أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة عن أبي ذر قال: هجرت يوما من الأيام فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته، فسألت عنه الخادم، فأخبرني أنه ببيت عائشة، فأتيته وهو جالس وليس عنده أحد من الناس، وكأني أرى حينئذ أنه في وهن، وسلمت عليه، فرد علي السلام، ثم قال: "ما جاء بك؟"، قلت: الله ورسوله أعلم. فأمرني أن أجلس، فجلست إلى جنبه لا أسأله عن شيء إلا ويذكره لي، فمكثت غير كثير، فجاء أبو بكر يمشي مسرعا، فسلم، فرد عليه السلام، ثم قال: "ما جاء بك؟"، قال: جاء بي الله ورسوله. فأشار بيده أن اجلس. فجلس إلى ربوة مقابل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء عمر، ففعل مثل ذلك، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر، ثم جاء عثمان كذلك، وجلس إلى جنب عمر، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيات سبع، أو تسع، أو ما قرب من ذلك، فسبحن في يده، حتى سمع لهن حنين كحنين النحل في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني، فسبحن في كفه، ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر، فسبحن في كفه، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه، ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن. اهـ .

وقال الحافظ ابن حجر: قد اشتهر على الألسنة تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم، أخرجه البزار، والطبراني في الأوسط، وفي رواية الطبراني: فسمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن إلينا، فلم يسبحن مع أحد منا. ثم ساق كلام البيهقي الذي أوردناه بتمامه، ثم قال: وليس لهذا الحديث إلا هذه الطريق الواحدة، مع ضعفها، لكنه مشهور عند الناس .



(فصل)

وأما تسبيح الطعام فقد أخرج البخاري من حديث ابن مسعود قال: كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم الطعام، ونحن نسمع تسبيح الطعام.

وفي الشفاء عن جعفر بن محمد عن أبيه: مرض النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل بطبق فيه رمان وعنب، فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم، فسبح. وأقره الحافظ ابن حجر في الفتح، فلو قال المصنف: "الطعام"، بدل "الحصى"; لكونه ثابتا في الصحيح، بخلاف حديث الحصى، كان أحسن; ولذا أسقطه في المسايرة، وإنما ذكر تسبيح الطعام، وكأن المصنف راعى ما هو المشهور على الألسنة .



(تنبيه)

قال صاحب المواهب: اعلم أن التسبيح من قبيل الألفاظ الدالة على معنى التنزيه، واللفظ يوجد حقيقة ممن قام به اللفظ، فيكون في غير من قام به مجازا; فالطعام والحصى والشجر ونحو ذلك كل منها يتكلم باعتبار خلق الكلام فيه حقيقة، وهذا من قبيل خرق العادة، وفي قوله: "ونحن نسمع تسبيحه"، تصريح بكرامة الصحابة; لسماع هذا التسبيح وفهمه، وذلك ببركته صلى الله عليه وسلم .




الخدمات العلمية