مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : "  والذي أسلم النصراني على يديه ليس بمعتق فلا ولاء له      " .  
 [ ص: 84 ] في الولاء قال  الماوردي      : وهذا هو الثالث المختلف في استحقاق الولاء عليه ، وهو الكافر إذا أسلم على يد رجل لم يثبت عليه في قول الجمهور ولاء لمن أسلم على يديه ، سواء عقل عنه أو لم يعقل .  
وحكي عن  حماد بن أبي سليمان   والحكم بن عتيبة   أن له ولاءه وله الرجوع فيه ما لم يعقل عنه ، فإن عقل عنه أو عن صغار ولده لم يكن له أن يرجع فيه .  
وحكي عن  أبي يوسف   إن اقترن بالإسلام على يده موالاة توارثا وإن لم يقترن به موالاة لم يتوارثا .  
وحكي عن  عمر بن عبد العزيز   والزهري   أنه يرثه على الأحوال كلها احتجاجا بما رواه  الأحوص بن حكيم   عن  راشد بن سعد   قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  من أسلم على يديه رجل فهو مولاه يرثه ويدي عنه     .  
وبرواية  عبد الله بن موهب   عن  قبيصة بن ذؤيب   عن  تميم الداري   أنه قال :  يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل ، فقال : هو أولى الناس بمحياه ومماته     . قالوا : وحق الممات استحقاق الميراث .  
وروى  القاسم بن عبد الرحمن   عن  أبي أمامة   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من  أسلم على يديه رجل فله ولاؤه     " .  
قالوا : ولأن إنعامه عليه باستنقاذه من الكفر أعظم من إنعامه باستنقاذه من الرق ، فكان بولائه أحق .  
ودليل الجمهور على ألا ولاء عليه قول الله تعالى :  وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه      ( الأحزاب : 37 ) ، يعني  زيد بن حارثة   أنعم الله عليه بالإسلام ، وأنعم الرسول صلى الله عليه وسلم عليه بالعتق ، فكانت النعمة بالإسلام لله تعالى دون غيره ، وفرق بين النعمة بالإسلام وبين النعمة بالعتق ، فلم تجز التسوية بينهما .  
وقال تعالى :  يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان      ( الحجرات : 17 ) فكانت الهداية منه تعالى دون غيره ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  وإنما الولاء لمن أعتق     . وليس هذا بمعتق ، ولأن إسلامه من نفسه بما علم من صحته ، فلم يكن لمن أسلم على يده تأثير في معتقده ، ولأنه لو كان أخذ      [ ص: 85 ] الإسلام على الكافر موجبا لثبوت ولائه عليه ، لكان  طلحة   والزبير   من موالي  أبي بكر   لإسلامهما على يده ، ولكان  المهاجرون   والأنصار   موالي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأولاده من بعده ، وهذا يخرج عن قول الأمة ، فكان مدفوعا بهم .  
وقد روى  سفيان الثوري   عن  منصور   عن  إبراهيم   عن  الأسود   عن  عائشة  رضي الله عنها قالت :  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن أعطى الثمن وولي النعمة  ، وهذا تعليل لاستحقاق الولاء ، فلم يستحق بغيره ، ولأنه لو كان الولاء بأخذ الإسلام مستحقا لوجب  إذا أعتق الرجل عبدا نصرانيا ، فأسلم على يد غير معتقه   أن يبطل ولاء معتقه ،  وإذا أسلم العبد النصراني على يد غير سيده ، ثم أعتقه السيد   ألا يكون عليه ولاء لمعتقه ، وهذا مدفوع بالإجماع ، فبطل ما اقتضاه بالإجماع .  
وقد روى  الأشعث بن سوار   عن  الحسن   أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يباع ، فساوم به ثم تركه فاشتراه رجل فأعتقه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني اشتريت هذا فأعتقته ، فما ترى فيه ؟ قال : أخوك ومولاك . قال : فما ترى في صحبته ؟ قال : " إن شكرك فهو خير له وشر عليك ، وإن كفرك فهو خير لك وشر له ) ، قال : فما ترى في ماله ؟ قال : إن مات ، ولم يدع وارثا ، فلك ماله     . فاعتبر ولاءه بعتقه دون إسلامه .  
وأما الجواب عما استدلوا به من الأخبار ، ففيها ثلاثة أجوبة :  
أحدها : أنها ضعيفة لا يثبت بها شرع ؛ لأن بعضها رواه مجهول ، وبعضها رواه متروك ، وبعضها مرسل .  
والثاني : أنها محمولة على ولاية الإسلام الموجبة للتناصر كما قال تعالى :  والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض   ، ( التوبة : 71 ) ، .  
والثالث : أننا نستعمل قوله : فهو مولاه . يريد أي هو ناصره ، وقد صار باتفاقهما في الإسلام وارثا بعد أن لم يكونا باختلاف الدين متوارثين .  
وقوله : أحق بمحياه ومماته : أنه أحق بمراعاته في محياه ، والممات .  
وأما الجواب عن استدلالهم بإنعامه عليه بالإسلام ، فهو ما ذكر الله تعالى عليه بالإسلام أن النعمة فيه له لا لغيره ، والله أعلم بالصواب .  
				
						
						
