النوع الثاني : قطع الطرف ، فيجب القصاص بقطع الطرف  بشرط إمكان المماثلة ، وأمن استيفاء الزيادة ، ويحصل ذلك بطريقين . 
أحدهما : أن يكون للعضو مفصل توضع عليه الحديدة وتبان ، والمفصل موضع اتصال عضو بعضو على منقطع عظمين ، وقد يكون ذلك بمجاورة محضة ، وقد يكون مع دخول عضو في عضو ، كالمرفق والركبة ، فمن المفاصل الأنامل والكوع والمرفق ومفصل القدم والركبة . 
فإذا وقع   [ ص: 182 ] القطع على بعضها ، اقتص من الجاني . 
قال الإمام : وفي بعض التعاليق عن شيخي حكاية وجه بعيد في المرفق والركبة ، قال : وأظنه غلطا من المعلق ، ومن المفاصل أصل الفخذ والمنكب ، فإن أمكن القصاص بلا إجافة ، اقتص ، وإلا فلا ، سواء كان الجاني أجاف أم لا ، لأن الجوائف لا تنضبط . 
وحكى الإمام وجها شاذا أنه يجري القصاص إذا كان الجاني أجاف ، وقال أهل البصر : يمكن أن يقطع ، ويجاف مثل تلك الجائفة . 
الطريق الثاني : أن يكون للعضو حد مضبوط ينقاد لآلة الإبانة ، فيجب القصاص في فقء العين ، وفي الأذن ، والجفن ، والمارن ، والذكر والأنثيين قطعا ، وفي الشفة واللسان على الصحيح ، وفي الشفرين والإليتين على الأصح عند الأكثرين . 
ولا قصاص في إطار الشفة بكسر الهمزة وتخفيف الطاء المهملة ، وهو المحيط بها ، لأنه ليس له حد مقدر ، والكلام في قدر الشفتين والشفرين والإليتين يأتي في الديات إن شاء الله تعالى . 
فرع   . 
لو قطع بعض الأذن ، أو بعض المارن من غير إبانة  ، وجب القصاص على الأظهر ، لإحاطة الهواء بهما ، وإمكان الاطلاع عليهما من   [ ص: 183 ] الجانبين ، ويقدر المقطوع بالجزئية ، كالثلث والربع ، لا بالمساحة ، ولو قطع بعض الكوع ، أو مفصل الساق والقدم ، ولم يبن ، فلا قصاص على الأظهر ، لأنها تجمع العروق والأعصاب ، وهي مختلفة الوضع تسفلا وتصعدا ، فلا يوثق بالمماثلة فيها بخلاف المارن ، ولو قطع فلقة من الأذن ، أو المارن ، أو اللسان ، أو الحشفة ، أو الشفة ، وأبانها ، وجب القصاص على الصحيح وتضبط بالجزئية . 
ولو أبان قطعة من الفخذ ، فلا قصاص ، كذا جزم به   الغزالي  ، ويشبه أن يجيء فيه خلاف كالباضعة . 
فرع   . 
قطع يدا أو عضوا ، وبقي المقطوع متعلقا بجلده  ، وجب القصاص ، أو كمال الدية ، لأنه أبطل فائدة العضو ، ثم إذا انتهى العضو في الاقتصاص إلى تلك الجلدة ، فقد فصل القصاص ، ويراجع الجاني أهل الخبرة في تلك الجلدة ، ويفعل مصلحته من القطع والترك . 
فرع   . 
لا قصاص في كسر العظام  ، لعدم الوثوق بالمماثلة ، لكن للمجني عليه أن يقطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر ، ويأخذ الحكومة للباقي ، وله أن يعفو ، ويعدل إلى المال . 
ولو أوضح رأسه مع الهشم ، فللمجني عليه أن يقتص في الموضحة ، ويأخذ الهشم ما بين أرش الهاشمة والموضحة ، وهو خمس من الإبل ، ولو أوضح ونقل ، فللمجني عليه أن يقتص في الموضحة ، ويأخذ ما بين الموضحة والمنقلة ، وهو عشر من الإبل ، ولو أوضح وأم ، فله أن يوضح ، ويأخذ ما بين الموضحة والمأمومة ، وهو ثمانية وعشرون بعيرا وثلث بعير ، لأن في المأمومة ثلث الدية . 
 [ ص: 184 ] فرع   . 
قطعه من الكوع ، فأراد المجني عليه أن يلقط أصابعه  ، فليس له ذلك ، فلو بادر وفعله ، عزر ، ولا غرم عليه ، لأنه يستحق إتلاف الجملة ، فلا يلزمه بإتلاف البعض غرم ، كما أن مستحق قتل النفس لو قطع طرف الجاني ، لا غرم عليه . 
قال  البغوي     : وهل له أن يعود ويقطع الكف ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، كما أن مستحق النفس لو قطع يد الجاني له أن يعود ويحز رقبته ، ولو طلب حكومتها ، لم يجب ، لأن الكف تدخل في دية الأصابع وقد استوفى الأصابع المقابلة بالدية ، ولو قطع يده من المرفق ، فأراد أن يقطع من الكوع ، أو يقطع أصبعا ، ويرضى بها قصاصا ومالا ، لم يكن له ذلك ، لأنه عدول عن محل الجناية مع القدرة عليه . 
وقيل : إن رضي بذلك بلا مال ، جاز ، والصحيح الأول ، فلو خالفنا فقطع من الكوع ، عزر ولا غرم لما سبق . 
ولو أراد بعد ذلك أن يقطع من المرفق ، قال الإمام : لا يمكنه ، وجعله  البغوي  على وجهين ، ولو طلب حكومة الساعد لم نثبتها له ، كذا نقله الإمام عن الأصحاب ، ونقله  البغوي  أيضا ، ثم قال : وعندي أنها تثبت . 
فرع   . 
لو كسر عظم العضد ، وأبان اليد منه  ، فللمجني عليه أن يقطع من المرفق ، ويأخذ الحكومة لما بقي ، وإن عفا ، فله دية الكف ، وحكومة للساعد ، وحكومة للمقطوع من العضد ، فلو أراد أن يترك المرفق ، ويقطع من الكوع ، فهل له ذلك ؟ وجهان . 
أرجحهما عند  البغوي     : يجوز ، لعجزه عن محل الجناية ، ومسامحته ، وأرجحهما عند  الروياني  وغيره لا ، لأنه عدول عما هو أقرب إلى محل الجناية ولو أراد التقاط الأصابع ، لم يمكن قطعا ، ولو أراد أخذ أصبع واحدة ، فالقياس أنه على الوجهين في قطع الكوع . 
فإذا قلنا : ليس له القطع من الكوع ،   [ ص: 185 ] فقطع ، ثم أراد القطع من المرفق ، لم يكن وليس له حكومة الساعد ، وإن قلنا : له القطع من الكوع ، فقطع ، فله حكومة الساعد على الأصح ، وتجب له حكومة المقطوع من العضد ، هكذا جزم به الأصحاب . 
وحكى   الغزالي  فيه وجهين ، والصواب الأول ، لأن استيفاء تلك البقية متعذر شرعا ، ولم يوجد من المجني عليه فيها تقصير وعدول ، ولم أجد هذين الوجهين لغير   الغزالي     . 
فرع   . 
لو قطعه من نصف الساعد  ، قطع من الكوع وأخذت حكومة نصف الساعد ، فلو عفا ، فله دية الكف ، وحكومة لنصف الساعد ، ولو أراد أن يلتقط أصابعه ، لم يكن ، فلو فعل ، لم يمكن من القطع من الكوع . 
قال  البغوي     : وليس له حكومة الكف ، وله حكومة نصف الساعد ، ويجيء في حكومة نصف الساعد الخلاف . 
فرع   . 
لو قطع يده من نصف الكف  ، لم يقتص في الكف ، وله التقاط الأصابع . 
وإن تعددت الجراحة ، لأنه لا سبيل إلى إهماله ، وليس بعد موضع الجراحة إلا مفاصل متعددة ، وهل تجب مع قطعها حكومة نصف الكف ، أم تدخل الحكومة في قطعها ، كدخولها في استيفاء الدية ؟ وجهان ، أصحهما : الوجوب . 
فرع   . 
من " الأم " : لو شق كفه حتى انتهى إلى مفصل  ، ثم قطع من   [ ص: 186 ] المفصل أو لم يقطع ، اقتص منه إن قال أهل الخبرة : يمكن أن يفعل به مثله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					