الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الفصل الرابع : في ازدحام الآخذين ، فإذا اجتمع على الشخص الواحد محتاجون ممن تلزمه نفقتهم ، نظر ؛ إن وفى ماله أو كسبه بنفقتهم ، فعليه نفقة الجميع ، قريبهم وبعيدهم ، وإن لم يفضل عن كفاية نفسه إلا نفقة واحد ، قدم نفقة الزوجة على نفقة الأقارب ، هذا أطبق عليه الأصحاب لأن نفقتها آكد ، فإنها لا تسقط بمضي الزمان ، ولا بالإعسار ، ولأنها وجبت عوضا ، واعترض الإمام بأن نفقتها إذا [ ص: 94 ] كانت كذلك ، كانت كالديون ، ونفقة القريب في مال المفلس تقدم على الديون ، وخرج لذلك احتمالا في تقديم القريب ، وأيده بالحديث أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : معي دينار ؟ فقال : " أنفقه على نفسك " فقال : معي آخر ؟ فقال : " أنفقه على ولدك " ، فقال : معي آخر ؟ فقال : " أنفقه على أهلك " . فقدم نفقة الولد على الأهل ، وفي " التتمة " وجه أن نفقة الولد الطفل تقدم على نفقة الزوجة ، وأما الذين ينفق عليهم بالقرابة ، فتعود فيهم الأوجه في أنه يصرف الفاضل إلى الأقرب ، أو الوارث ، أو الولي ، وعلى الوجه الرابع القائل هناك أنها على الذكر يصرف الفاضل هنا إلى الأنثى لعجزها ، ويسوى في الوجه الخامس بين الذكر والأنثى ، وإذا صرف إلى وارثين ، فهل يوزع بالسوية ، أم بحسب الإرث ؟ وجهان ، قال الأكثرون بالسوية ، ونوضح ذلك بصور :

                                                                                                                                                                        ابنان أو بنتان ، يصرف الموجود إليهما ، فإن اختص أحدهما بمزيد عجز ، بأن كان مريضا ، أو رضيعا ، قدم ، ذكره الروياني .

                                                                                                                                                                        ابن وبنت ، الصحيح أنها كالابنين ، وقيل : تقدم البنت لضعفها . ابن بنت ، وبنت ابن ، ذكر الروياني أن بنت الابن تقدم لضعفها ، ويشبه أن يجعلا كالابن والبنت .

                                                                                                                                                                        أب وجد ، أو ابن وابن ابن ، قيل : هما سواء ، والأصح : تقديم الأب والابن ، فإن كان الأبعد زمنا ، ففي " التهذيب " أنه يقدم ، وذكر أنه لو اجتمع جدان في درجة ، وأحدهما عصبة ، كأبي الأب مع أبي الأم ، فالعصبة أولى ، وأنه لو اختلفت الدرجة ، واستويا في العصوبة [ ص: 95 ] أو عدمها ، فالأقرب مقدم ، وإن كان الأبعد عصبة ، تعارض القرب والعصوبة ، فيستويان .

                                                                                                                                                                        أب وابن ، إن كان الابن صغيرا ، قدم ، وإلا فهل يقدم الابن أم الأب ، أم يستويان ؟ فيه ثلاثة أوجه : ثالثها : اختيار القفال ، وتجري الأوجه في الابن والأم ، وفي الأب والبنت ، وفي الجد وابن الابن .

                                                                                                                                                                        أب وأم ، تقدم الأم على الأصح ، وقيل : الأب ، وقيل : يستويان .

                                                                                                                                                                        جد وابن ، قيل بطرد الأوجه ، وقيل : يقدم الابن قطعا ، وعن - القاضي أبي حامد إذا اجتمع جدتان لإحداهما ولادتان ، وللأخرى ولادة ، فإن كانتا في درجة ، فذات الولادتين أولى ، وإن كانت أبعد ، فالأخرى أولى ، وأنه لو اجتمعت بنت بنت بنت أبوها ابن ابن بنته وبنت بنت بنت ليس أبوها من أولاده ، فإن كانتا في درجة ، فصاحبة القرابتين أولى ، وإن كانت هي أبعد ، فالأخرى أولى .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        متى استوى اثنان ، وزع الموجود عليهما ، فلو كثروا بحيث لو وزع ، لم يسد قسط كل واحد مسدا ، أقرع بينهم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا أوجبنا النفقة على أقرب القريبين ، فمات أو أعسر ، وجبت على الأبعد ، فإن أيسر الأقرب بعد ذلك ، لم يرجع الأبعد عليه بما أنفق .

                                                                                                                                                                        ذكر الروياني أنه لو كان له ولدان ، ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما ، وله أب موسر ، لزم الأب نفقة الآخر ، فإن اتفقا على الإنفاق بالشركة ، أو على أن يختص كل واحد بواحد ، فذاك ، وإن اختلفا ، [ ص: 96 ] عمل بقول من يدعو إلى الاشتراك . وأنه لو كان للأبوين المحتاجين ابن لا يقدر إلا على نفقة أحدهما ، وللابن ابن موسر ، فعلى ابن الابن باقي نفقتهما ، فإن اتفقا على أن ينفقا عليهما بالشركة ، أو يخص كل واحد بواحد ، فذاك ، وإن اختلفا ، رجعنا إلى اختيار الأبوين إن استوت نفقتهما ، وإن اختلفت ، اختص أكثرهما نفقة بمن هو أكثر يسارا ، وهذان الجوابان في الصورتين مختلفان ، والقياس أن يسوى بينهما ، بل ينبغي في الصورة الثانية أن يقال : تختص الأم بالابن تفريعا على الأصح ، وهو تقديم الأم على الأب ، وإذا اختصت به ، تعين الأب لإنفاق ابن الابن .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية