الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا جنت مستولدة على نفس أو مال ، وجب على سيدها الفداء ، وفيما يفديه به طريقان ؛ المذهب أنه بأقل الأمرين من قيمتها والأرش ، والثاني : على قولين ، كالقن ، والفرق أنها غير قابلة للبيع ، وهل تعتبر قيمة يوم الجناية ، أم يوم الاستيلاد ، وجهان : أصحهما : الأول ، ولو جنت جنايتين ، وقلنا : يفدي بالأرش ؛ لزم السيد الأروش بالغة ما بلغت ؛ وإن قلنا بالمذهب : إن الواجب أقل الأمرين ، فإن كان أرش الجناية الأولى دون القيمة وفداها به وكان الباقي من قيمتها يفي بأرش الجناية الثانية ، فداها بأرشها أيضا .

                                                                                                                                                                        وإن كان أرش الأولى كالقيمة أو أكثر أو أقل ، والباقي من القيمة لا يفي بأرش الجناية الثانية ، فثلاثة أقوال ، أظهرها : أن الجنايات كلها كواحدة ، فيلزمه البيع فداء واحد ، والثاني : يلزمه لكل جناية فداء ، والثالث : إن فدى الأولى قبل جنايتها الثانية ؛ لزمه فداء آخر ، وإلا فواحد ، وإذا ألزمناه فداء واحدا ، اشترك فيه المجني عليهما أو عليهم على قدر جناياتهم ، فلو كانت قيمة المستولدة ألفا وأرش كل واحدة من الجنايتين ألفا ؛ فلكل منهما خمسمائة ؛ فإن كان الأول قبض الألف ، استرد الثاني منه خمسمائة .

                                                                                                                                                                        فإن كانت قيمتها ألفا وأرش الأولى ألف والثانية خمسمائة ، يرجع الثاني على الأول بثلث [ ص: 365 ] الألف ولو كانت الأولى خمسمائة والثانية ألفا ، أخذ الثاني من السيد خمسمائة تمام القيمة ، ورجع على الأول بثلث خمس المائة التي قبضها ليصير معه ثلثا الألف ، ومع الأول ثلثه ، ثم قيل : الخلاف عند تخلل الفداء فيما إذا دفع السيد الفداء إلى المجني عليه الأول باختياره ؛ أما إذا دفعه بقضاء القاضي فلا يلزمه شيء آخر قطعا .

                                                                                                                                                                        وعن ابن أبي هريرة أنه لا فرق ، وتجري الأقوال في الجناية الثالثة والرابعة وإلى ما لا نهاية له ، ومهما زادت الجناية ، زاد الاسترداد ، وشبه ذلك بما إذا قسمت تركة إنسان على غرمائه أو ورثته وكان حفر بئر عدوان فهلك بها شيء ، زاحم المستحق الغرماء والورثة ، واسترد منهم حصته ؛ فلو هلك آخر ، زاد الاسترداد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        جنى القن ؛ فمنع السيد بيعه واختار الفداء ، ثم جنى ؛ ففعل مثل ذلك ، لزمه لكل جناية الأقل من أرشها وقيمته ، ولو جنى جنايات ثم قتله السيد أو أعتقه ، لا يلزمه إلا فداء واحد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        وطئ الجانية ؛ فوجهان ، أحدهما : أنه اختيار للفداء ، كما أن وطء البائع في زمن الخيار فسخ ، ووطء المشتري إجازة .

                                                                                                                                                                        والصحيح : المنع ، لأن الوطء لا دلالة له على الالتزام ، مع أنه لو التزم لم يلزمه على الأصح كما سبق ويخالف الخيار ؛ فإنه ثبت بفعله فسقط به ، وخيار السيد هنا ثبت بالشرع ؛ فلا يسقط بفعله .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        جنت جارية لها ولد ، أو ولدت بعد الجناية ، من كان موجودا حال [ ص: 366 ] الجناية ، أو حدث بعدها لا يتعلق به الأرش ؛ فإن لم يجز التفريق ، بيع معها وصرفت حصة الأم إلى الأرش ، وحصة الولد للسيد ، وهل تباع حاملا بحمل كان يوم الجناية أو حدث ؟ إن قلنا : الحمل لا يعرف ، بيعت ، كما لو زيدت زيادة متصلة ، وإلا فلا تباع حتى تضع ؛ لأنه لا يمكن إجبار السيد على بيع الحمل ، ولا يمكن استثناؤه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو لم يفد السيد الجاني ولا سلمه للبيع ، باعه القاضي ، وصرف الثمن إلى المجني عليه ، ولو باعه بالأرش ، جاز إن كان نقدا ؛ وكذا إن كان إبلا ، وقلنا : يجوز الصلح عنها .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية