الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السادس : الصوت ، فإذا جنى على شخص ، فأبطل صوته ، وبقي اللسان على اعتداله ، ويمكنه من التقطيع والترديد ، لزمه لإبطال الصوت كمال الدية ؛ فإن أبطل معه حركة اللسان حتى عجز عن التقطيع والترديد ، فوجهان : أرجحهما : يجب ديتان ، لأنهما منفعتان في كل واحدة إذا أفردت كمال الدية ، والثاني : يجب دية فقط . فإن قلنا : ديتان ، وكانت حركة اللسان باقية فقد تعطل النطق بسبب فوات الصوت ، فيجيء الخلاف السابق في أن تعطل المنفعة هل هو كزوالها ؟ فإن قلنا : نعم ، وجب ديتان ، وإلا فدية .

                                                                                                                                                                        السابع : الذوق ، وفي إبطاله كمال الدية ، وقد يبطل بجناية على اللسان أو الرقبة أو غيرهما ، والمدرك بالذوق خمسة أشياء : الحلاوة والحموضة والمرارة والملوحة والعذوبة ؛ والدية تتوزع عليها ؛ فإذا أبطل إدراك واحد ، وجب خمس الدية ، ولو نقص الإحساس فلم يدرك الطعوم على كمالها ؛ فالواجب الحكومة ، وإذا اختلفا في ذهاب الذوق ، جرب بالأشياء المرة أو الحامضة الحادة ؛ فإن ظهر منه تعبس وكراهة ، صدقنا الجاني بيمينه ، وإلا فالمجني عليه . ولو ضربه ضربة زال بها ذوقه ونطقه ، وجب ديتان .

                                                                                                                                                                        الثامن : المضغ ، وفي إبطاله كمال الدية ، ولإبطاله طريقان ، أحدهما : أن يصلب مغرس اللحيين حتى تمتنع حركتهما مجيئا وذهابا ، والثاني : أن يجني على الأسنان ، فيصيبهما خدر ، وتبطل صلاحيتهما للمضغ .

                                                                                                                                                                        [ ص: 302 ] التاسع والعاشر والحادي عشر : الإمناء والإحبال والجماع ؛ فإذا كسر صلبه ، فأبطل قوة إمنائه ، وجب كمال الدية ، ولو قطع أنثييه ، فذهب ماؤه ، لزمه ديتان ، وكذا لو أبطل من المرأة قوة الإحبال ، لزمه ديتها ، ولو جنى على ثديها ، فانقطع لبنها ، لزمه حكومة ، فإن نقص ، وجبت حكومة تليق به .

                                                                                                                                                                        وإن لم يكن لها لبن عند الجناية ، ثم ولدت ولم يدر لها لبن ، وامتنع به الإرضاع ، وجبت حكومة إذا قال أهل الخبرة : إن الانقطاع بجنايته ، أو جوزوا أن يكون هو سببها ، وللإمام احتمال أنه تجب الدية بإبطال الإرضاع .

                                                                                                                                                                        ولو جنى على صلبه ؛ فذهب جماعه ، وجبت الدية ، لأن المجامعة من المنافع المقصودة ، ولو ادعى ذهابه ، فأنكر الجاني ، صدق المجني عليه بيمينه ، لأنه لا يعرف إلا منه .

                                                                                                                                                                        ثم إنهم صوروا ذهاب الجماع فيما إذا لم ينقطع ماؤه وبقي ذكره سليما ، وذكروا أنه لو كسر صلبه ، وأشل ذكره ؛ فعليه دية الذكر وحكومة لكسر الصلب ، وإذا كان الذكر سليما ، كان الشخص قادرا على الجماع حسا ، فأشعر ذلك بأنهم أرادوا بذهاب الجماع بطلان الالتذاذ به والرغبة فيه ؛ ولذلك صور الإمام والغزالي المسألة في إبطال شهوة الجماع مع أن الإمام استبعد ذهاب الشهوة مع بقاء المني .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو جنى على عنقه ، فلم يمكنه ابتلاع الطعام إلا بمشقة لالتواء العنق أو غيره ، لزمه حكومة ، فلو لم ينفذ الطعام والشراب أصلا لانسداد المنفذ ، فلا يعيش المجني عليه والحالة هذه ولم تزد طائفة من الأصحاب على أنه إن ساغ الطعام والشراب ، فحكومة ، وإن مات فالدية . ونقل الإمام والغزالي أن نفس الجناية المفضية إلى الانسداد [ ص: 303 ] توجب الدية حتى لو حز غيره رقبته وفيه حياة مستقرة ، لزم الأول دية ، ولو مات بامتناع نفوذ الطعام والشراب ، قال الإمام : إن قلنا : من قطع يدي رجل ورجليه ثم حز رقبته ، تلزمه دية فقط ، فكذا هنا ، وإن قلنا : هناك ديتان ، فيحتمل هنا دية ويحتمل ديتان .

                                                                                                                                                                        الثاني عشر : إفضاء المرأة ، وفيه كمال دية ، وهو رفع الحاجز بين مسلك الجماع والدبر على الأصح . وقيل : رفع الحاجز بين مسلك الجماع ومخرج البول ، قال المتولي : الصحيح أن كل واحد منهما إفضاء موجب للدية ؛ لأن الاستمتاع يختل بكل واحد منهما ، ولأن كل واحد منهما يمنع إمساك الخارج من أحد السبيلين ؛ فعلى هذا لو أزال الحاجزين ، لزمه ديتان .

                                                                                                                                                                        وتختلف الدية الواجبة بالإفضاء خفة وغلظا باختلاف حال الإفضاء ، فقد يكون عمدا محضا ، بأن تكون المرأة ضعيفة أو نحيفة ، والغالب إفضاء وطئها إلى الإفضاء ، وقد يكون عمد خطأ ، بأن لا يتضمن وطؤها الإفضاء غالبا ، وقد يكون خطأ محضا ، بأن يجد امرأة على فراشه ، فيظنها امرأته التي عهدها ، فيطؤها فيفضيها .

                                                                                                                                                                        هذا إذا حصل الإفضاء بالوطء ، ولا فرق في الدية بينه وبين أن يحصل بأصبع أو خشبة أو شيء محدد ، وإذا أفضاها ؛ فصار بولها يسترسل ولا يستمسك ، لزمه مع الدية حكومة الشين ، وقيل : لا حكومة وهو ضعيف . وسواء في وجوب الدية بالإفضاء الحاصل بالوطء ، الزوج والواطئ بشبهة والزاني ؛ ويستقر المهر على الزوج بالوطء المتضمن للإفضاء ، ويجب به مهر المثل على الواطئ بشبهة ، وكذا على الزاني إن كانت مكرهة وعليه الحد .

                                                                                                                                                                        [ ص: 304 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية