الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        قد ذكرنا الديات في الجروح والأعضاء والمنافع مفصلة ؛ فيجوز أن تجتمع في شخص ديات كثيرة ، بأن تزال منه أعضاء ومنافع ، ولا يسري إلى النفس ، بل تندمل ، وهذا بيان الديات .

                                                                                                                                                                        الأذنان أو إبطال إحساسهما ، العينان أو البصر ، الأجفان ، المارن ، الشفتان ، اللسان أو النطق ، الأسنان ، اللحيان ، اليدان ، الرجلان ، الذكر ، الأنثيان أو الحلمتان والشفران ، الأليان ، العقل ، السمع ، الشم ، الصوت ، الذوق ، المضغ ، الإمناء أو الإحبال ، إبطال لذة الجماع ، إبطال لذة الطعام ، الإفضاء في المرأة ، البطش ، المشي .

                                                                                                                                                                        وقد يضاف إليها المواضح وسائر الشجات ، والجوائف والحكومات ، فيجتمع شيء كثير لا ينحصر ؛ فإذا اندملت هذه الجراحات ، وجب جميع هذه الديات ، وإن سرت فمات [ ص: 307 ] منها ، وجب دية واحدة بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        ولو عاد الجاني ، فحز رقبة المجروح . أو قده نصفين ، فإن كان ذلك بعد الاندمال ، وجبت دية الأطراف ودية النفس لاستقرار دية الأطراف بالاندمال ، وإن كان قبل الاندمال ، فوجهان : الأصح المنصوص : أنه لا يجب إلا دية النفس كالسراية ، والثاني خرجه ابن سريج ، وبه قال الإصطخري ، واختاره الإمام : تجب ديات الأطراف مع دية النفس ، هذا إذا اتفقت الجناية على النفس والأطراف في العمد أو الخطأ ، فأما إذا كانت إحداهما عمدا ، والأخرى خطأ ، وقلنا بالتداخل عند الاتفاق ، فهنا وجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : التداخل أيضا ، وأصحهما : لا ، لاختلافهما واختلاف من يجنيان عليه ؛ فلو قطع يده خطأ ، ثم حز رقبته قبل الاندمال عمدا ؛ فللولي قتله قصاصا وليس له قطع يده ؛ فإن قتله قصاص . فإن قلنا بالتداخل ، وجعلنا الحكم للنفس ، فلا شيء له من الدية . وإن قلنا : لا تداخل ، أخذ نصف الدية من العاقلة لليد ، وإن عفا عن القصاص ؛ فإن قلنا بالتداخل ، فوجهان ؛ أحدهما : يجب دية نصفها مخففة على العاقلة ، ونصفها مغلظة على الجاني . وينسب هذا إلى النص .

                                                                                                                                                                        وأصحهما وبه قطع البغوي : يجب دية مغلظة على الجاني ، لأن معنى التداخل إسقاط بدل الطرف والاقتصار على بدل النفس لمصير الجناية نفسا . وإن قلنا : لا تداخل ، وجب نصف دية مخففة على العاقلة ، ودية مغلظة عليه . وإن قطع يده عمدا ، ثم حز رقبته خطأ قبل الاندمال ؛ فللولي قطع يده . وإذا قطعها إن قلنا بالتداخل ؛ فله نصف الدية المخففة ، لأنه أخذ بالقطع نصف بدل النفس . وإن قلنا : لا تداخل ؛ فله كمال الدية المخففة . وإن عفا عن القطع ؛ فإن قلنا بالتداخل ؛ فعلى الوجهين ، على النص يجب نصف دية مخففة ، ونصف مغلظة لليد ، وعلى الآخر دية مخففة للنفس .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : ولو قطع يديه ورجليه أو أصبعه عمدا ، ثم حز رقبته قبل الاندمال خطأ أو بالعكس ، وقلنا : تراعى صفة [ ص: 308 ] الجنايتين على القول بالتداخل ، تنصفت تخفيفا وتغليظا ، ولا نظر إلى أقدار أروش الأطراف ، لأن الحكم بالتداخل مبني على أن الحز بعد قطع الأطراف كسراية الأطراف ؛ فكان الحز مع الجراحات السابقة ، كجراحات مؤثرة في الزهوق انقسمت عمدا وخطأ ، وحينئذ تتنصف الدية تخفيفا وتغليظا ولا نظر إلى أقدار الأروش .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية