الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل تتعلق بالتصرف في الشارع ، وفي ملك نفسه . والقول [ ص: 319 ] في التصرف في الشارع سبق بعضه في الصلح وفي إحياء الموات ، ويذكر هنا بقيته إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        المسألة الأولى : لا يجوز إشراع الأجنحة التي تضر بالمارة إلى الشارع ؛ فلو فعل منع . وما يتولد منه من هلاك يكون مضمونا . فإن كان الجناح عاليا غير مضر ؛ فلا منع من إشراعه ، وكذا بناء الساباط العالي ؛ لكن لو تولد منه هلاك إنسان ؛ فهو مضمون بالدية على العاقلة ، وإن هلك به مال ؛ وجب الضمان في ماله ، ولم يفرقوا بين أن يأذن الإمام أم لا ، ولو أشرع جناحا إلى درب منسد بغير إذن أهله ؛ ضمن المتولد منه ، وبإذن أهله لا ضمان ؛ كالحفر في دار الغير بإذنه .

                                                                                                                                                                        الثانية : يتصرف كل واحد في ملكه بالمعروف ، ولا ضمان فيما يتولد منه بشرط جريانه على العادة واجتناب الإسراف ؛ فلو وضع حجرا في ملكه أو نصب شبكة أو سكينا ، وتعثر به إنسان فهلك ، أو على طرف سطحه ، فوقع على شخص ، أو على مال ، أو وضع عليه جرة ماء ؛ فألقتها الريح ، أو ابتل موضعها فسقطت ؛ فلا ضمان .

                                                                                                                                                                        وكذا لو وقف دابة في ملكه فرفست إنسانا أو بالت فأفسدت به ثوبا أو غيره مما هو خارج الملك ، أو كان يكسر الحطب في ملكه ، فأصاب شيء منه عين إنسان فأبطل ضوءها ؛ فلا ضمان ، وكذا لو حفر بئرا في ملكه فتندى جدار جاره فانهدم ، أو غار ماء بئره أو حفر بالوعة فتغير ماء بئر الجار ؛ فلا شيء عليه ؛ لأن الملاك لا يستغنون عن مثل هذا بخلاف الإشراع إلى الشارع ؛ فإنه يستغنى عنه .

                                                                                                                                                                        ولو قصر فخالف العادة في سعة البئر ضمن ؛ فإنه إهلاك ، وليكن كذلك إذا قرب الحفر من الجدار على خلاف العادة ، ويمنع من وضع السرجين في أصل حائط الجار ، ولو أوقد نارا في ملكه ، أو على سطحه ؛ فطار الشرر إلى ملك الغير ؛ فلا ضمان إلا أن [ ص: 320 ] يخالف العادة في قدر النار الموقدة ، أو يوقد في يوم ريح عاصفة ؛ فيكون ذلك كطرح النار في دار غيره ؛ فيضمن ؛ فإن عصفت الريح بغتة بعدما أوقد ؛ فهو معذور .

                                                                                                                                                                        ولو سقى أرضه ؛ فخرج الماء من جحر فأرة أو شق ؛ فدخل أرض غيره ، فأفسده زرعه ؛ فلا ضمان إلا أن يخالف العادة في قدر الماء ، أو كان عالما بالجحر أو الشق ، فلم يحتط .

                                                                                                                                                                        ولو حفر البئر في أرض خوارة ولم يطأها ، ومثلها تنهار إذا لم تطو ، كان مقصرا ، كما ذكرنا في سعة البئر ؛ ولا بد من هذا الاحتياط حيث جوزنا حفر البئر في الشارع .

                                                                                                                                                                        الثالثة : يجوز إخراج الميزاب إلى الشارع ، وليكن عاليا ؛ كالجناح ؛ فلو سقط منه شيء فهلك به إنسان أو مال فقولان : القديم : لا ضمان ، والجديد الأظهر : يضمن . فعلى هذا إن كان الميزاب كله خارجا بأن سمر عليه ، تعلق به جميع الضمان ، وإن كان بعضه في الجدار ، وبعضه خارجا ؛ فإن انكسر ، فسقط الخارج ، أو بعضه ؛ تعلق به جميع الضمان أيضا . وإن انقلع من أصله ؛ فوجهان أو قولان ؛ أصحهما : يجب نصف الضمان ، والثاني : يجب بقسط الخارج ، ويكون التقسيط بالوزن ، وقيل : بالمساحة ، وسواء أصابه الطرف الداخل أو الخارج ، لأن الهلاك يحصل بثقل الجميع ، والحكم في كيفية التضمين إذا حصل الهلاك بجناح مشروع ؛ إما بالخارج منه ، وإما بالخارج والداخل جميعا كما ذكرنا في الميزاب بلا فرق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية