الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثالث : في كيفية الضرب على العاقلة ، قد سبق بيان ترتيب العصبات والجهات ، وقدر الواجب ؛ فإذا انتهى التحمل إلى بيت المال ؛ فلم يكن فيه مال ؛ فهل يؤخذ الواجب من الجاني ؟ وجهان بناء على أن الدية تجب على العاقلة أولا أم على الجاني ، ثم تحملها العاقلة ؟ وفيه وجهان ، ويقال : قولان ؛ أصحهما : تؤخذ من الجاني ؛ فإن قلنا : لا تؤخذ ؛ ففي وجه تجب الدية على جماعة المسلمين كنفقة الفقراء ، ولم يذكر الجمهور هذا .

                                                                                                                                                                        لكن لو حدث في بيت المال مال ، هل يؤخذ منه الواجب ؟ وجهان ؛ حكاهما القاضي حسين وغيره ؛ أحدهما : لا ، كما لا يطالب فقير العاقلة لغناه بعد الحول . وإن قلنا : تؤخذ من الجاني ؛ فهي مؤجلة عليه كالعاقلة ، وهل تجب على أبيه وابنه ؟ وجهان ، أصحهما : لا ، والثاني : نعم ، ويقدمان على القاتل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا اعترف الجاني بالخطأ أو شبه العمد ، وصدقته العاقلة ؛ فعليهم الدية ؛ وإن كذبوه ؛ لم يقبل إقراره عليهم ولا على بيت المال ؛ لكن يحلفون على نفي العلم ؛ فإذا حلفوا ؛ فالدية على المقر قطعا .

                                                                                                                                                                        وعن المزني : أنه لا شيء عليه إن قلنا : تجب الدية أولا على العاقلة ، قال الإمام : ولا يبعد هذا عن القياس ، والذي قطع به الأصحاب هو الأول ، وتتأجل الدية عليه كالعاقلة ؛ لكنه يؤخذ منه في آخر كل حول ثلث الدية بخلاف الواحد من العاقلة ؛ فلو مات ، فهل تحل الدية ؟ وجهان ، أحدهما : لا ، لأن الأجل يلازم دية الخطأ ، وأصحهما : نعم ؛ [ ص: 358 ] كسائر الديون المؤجلة بخلاف ما لو مات أحد العاقلة في أثناء الحول ، لا تؤخذ من تركته ؛ لأن سبيله المواساة ، والوجوب على الجاني سبيله صيانة الحق عن الضياع ؛ فلا يسقط ؛ فلو مات معسرا . قال البغوي : يحتمل أن تؤخذ الدية من بيت المال ، كمن لا عاقلة له ، ويحتمل المنع كما لو كان حيا معسرا .

                                                                                                                                                                        الثاني أرجح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو غرم الجاني ثم اعترفت العاقلة ، فإن قلنا : الوجوب يلاقيه ؛ لم يرد الولي ما قبض ؛ بل يرجع الجاني على العاقلة ، وإن قلنا : هي على العاقلة أولا ؛ رد الولي ما أخذ ، وابتدأ بمطالبة العاقلة .

                                                                                                                                                                        وفي " التهذيب " أنه لو ادعى عليه قتل خطأ ، أو شبه عمد ولا بينة ونكل المدعى عليه عن اليمين ، فحلف المدعي ؛ فإن قلنا : اليمين المردودة كإقرار المدعى عليه ، وجبت الدية على المدعى عليه إن كذبت العاقلة المدعي . وإن قلنا : كالبينة ؛ فهل الدية على العاقلة ، أم على المدعى عليه ذهابا إلى أنها لا تكون كالبينة إلا في حق المتداعيين ؟ فيه وجهان .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية