الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المانع الثالث : العبادات ، وفيه مسائل إحداها : إذا أحرمت بحج أو عمرة ، فلها حالان ، أحدهما : أن تحرم بإذنه ، فإذا خرجت ، فقد سافرت في غرض نفسها ، فإن كان الزوج معها لم تسقط على المذهب كما سبق ، وإلا فتسقط على الأظهر ، وسواء خرجت بإذنه أم بغيرها ، ولا أثر لنهيه عن الخروج لوجود الإذن في الإحرام ، وعن القفال : أنه إذا نهاها عن الخروج فلا نفقة قطعا ، أما قبل الخروج ، فوجهان ، أحدهما : لا نفقة لفوات الاستمتاع ، وأصحهما : وجوبها ، لأنها في قبضته ، وتفويت الاستمتاع بسبب إذن فيه .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن تحرم بغير إذنه فقد سبق في الحج أن له أن يحللها من حج التطوع ، وكذا من الفرض على الأظهر ، فإن جوزنا له [ ص: 62 ] التحليل ، فلم يحلل ، فلها النفقة ما لم تخرج ، لأنها في قبضته وهو قادر على تحليلها والاستمتاع ، وقيل : لا نفقة ، لأنها ناشزة بالإحرام ، والناشزة لا تستحق نفقة وإن قدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهرا ، والصحيح الأول . فإذا خرجت بغير إذنه ، فلا نفقة ، فإن خرج معها ، فعلى ما سبق ، وإن أذن في الخروج ، فعلى القولين في السفر بإذنه ، وإن قلنا : ليس له التحليل ، فهي ناشزة من وقت الإحرام ، وقيل : لها النفقة ما دامت مقيمة ، والصحيح الأول ، وحكي وجه شاذ أن الإحرام لا يسقط النفقة مطلقا ، لأنها تسقط به فرضا عليها .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية في الصوم ، أما صوم رمضان ، فلا تمنع منه ، ولا تسقط النفقة بحال ، وأما قضاء رمضان ، فإن تعجل لتعديها بالإفطار لم تمنع منه ، ولم تسقط به النفقة على الأصح ، وإن فات الأداء بعذر ، وضاق وقت القضاء ، بأن لم يبق من شعبان إلا قدر القضاء ، فهو كأداء رمضان ، وإن كان الوقت واسعا ، فقطع الأكثرون بأن له منعها من المبادرة إليه كصوم التطوع ، وقيل في جواز منعها وجهان ، وفي جواز إلزامها الإفطار إذا شرعت فيه وجهان مخرجان من القولين في التحليل من الحج ، فإن قلنا : لا يجوز ، ففي سقوط النفقة وجهان : أحدها : تسقط كالحج ، والثاني : لا لقصر الزمان ، وقدرته على الاستمتاع ليلا .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح السقوط . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما صوم التطوع ، فلا تشرع فيه بغير إذن الزوج ، فإن أذن ، لم تسقط به نفقتها ، وإن شرعت فيه بلا إذن ، فله منعها وقطعه ، فإن أفطرت ، فلها النفقة ، وإن أبت ، فلا نفقة على الأصح ، وقيل : تجب ، لأنها في داره وقبضته ، وحاصل هذا الوجه أن صوم التطوع لا يؤثر في النفقة ، وقيل : إن دعاها إلى الأكل ، فأبت ، لم تسقط نفقتها ، وإن [ ص: 63 ] دعاها إلى الوطء ، فأبت سقطت لمنعها حقه ، وإذا قلنا بسقوط النفقة بامتناعها فعن " الحاوي " أن ذلك فيما إذا أمرها بالإفطار في صدر النهار ، فلو اتفق في آخره لم تسقط لفوت الزمان ، واستحسنه الروياني ، ولم يتعرض الجمهور لهذا التفصيل . ولو نكحها وهي صائمة قال إبراهيم المروذي : لا يجبرها على الإفطار ، وفي النفقة وجهان .

                                                                                                                                                                        وأما صوم النذر ، فإن كان نذرا مطلقا ، فللزوج منعها منه على الصحيح ، لأنه موسع ، وإن كانت أياما معينة ، نظر ؛ إن نذر بها قبل النكاح ، أو بعده بإذنه ، فليس له منعها ، وإلا فله ذلك ، وحيث قلنا : له المنع ، فشرعت فيه ، وأبت أن تفطر ، فعلى ما ذكرنا في صوم التطوع . وأما صوم الكفارة ، فهو على التراخي ، فللزوج منعها منه ، وعن الماوردي أنه إذا لم يمنعها حتى شرعت فيه ، فهل له إجبارها على الخروج منه ؟ وجهان ، وحيث قلنا : تسقط النفقة بالصوم ، فهل تسقط جميعها‌‌‌ ، أم نصفها للتمكن من الاستمتاع ليلا ؟ وجهان في " التهذيب " .

                                                                                                                                                                        قلت : أرجحهما سقوط الجميع وقد سبق قريبا نظيره فيمن سلمت ليلا فقط ، أو عكسه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        المسألة الثالثة : فرائض الصلوات الخمس لا منع منها ، ولا تؤثر في النفقة بحال ، وهل له منعها من المبادرة بها في أول الوقت ؟ وجهان : الأصح المنصوص ليس له ، لأن زمنها لا يمتد بخلاف الحج ، والتطوعات المطلقة كصوم التطوع ، وفي السنن الراتبة وجهان : أصحهما : ليس له منعها لتأكدها ، وله منعها من تطويلها ، وصوم يوم عرفة وعاشوراء كرواتب الصلاة ، وصوم الاثنين والخميس كالتطوع المطلق ، فله منعها قطعا ، وله منعها من الخروج لصلاة العيدين والكسوفين ، وليس [ ص: 64 ] له المنع من فعلها في المنزل ، وقضاء الصلاة وفعل المنذورة كمثلهما في الصوم .

                                                                                                                                                                        المسألة الرابعة : الاعتكاف ، إن خرجت له إلى المسجد بإذنه وهو معها لم تسقط نفقتها ، وإن لم يكن معها ، فعلى الخلاف في الخروج للحج ، وقيل : إن لم تزد على يوم لم يؤثر قطعا ، فإن كان بغير إذنه ، نظر ؛ إن كان تطوعا ، أو نذرا مطلقا أو معينا نذرته بعد النكاح ، سقطت نفقتها ، وإن كان معينا نذرته قبل النكاح ، فلا منع منه ، ولا تسقط به النفقة .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        أجرت نفسها قبل النكاح إجارة عين ، قال المتولي : ليس للزوج منعها من العمل ، ولا نفقة عليه ، وعن " الحاوي " أن له الخيار إن كان جاهلا بالحال لفوات الاستمتاع عليه بالنهار ، وأنه لا يسقط خياره بأن يرضى المستأجر بالاستمتاع نهارا ، لأنه تبرع قد يرجع فيه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية