الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 166 ] قال ( وتنعقد إذا قال تكفلت بنفس فلان أو برقبته أو بروحه أو بجسده أو برأسه وكذا ببدنه وبوجهه ) لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن البدن إما حقيقة أو عرفا على ما مر في الطلاق ، كذا إذا قال [ ص: 167 ] بنصفه أو بثلثه أو بجزء منه لأن النفس الواحدة في حق الكفالة لا تتجزأ فكان ذكر بعضها شائعا كذكر كلها ، بخلاف ما إذا قال تكفلت بيد فلان أو برجله لأنه لا يعبر بهما عن البدن حتى لا تصح إضافة الطلاق إليهما وفيما تقدم تصح ( وكذا إذا قال ضمنته ) لأنه تصريح بموجبه ( أو قال ) هو ( علي ) لأنه صيغة الالتزام ( أو قال إلي ) لأنه في معنى علي في هذا المقام . ( قال عليه الصلاة والسلام { ومن ترك مالا فلورثته ، ومن ترك كلا أو عيالا فإلي } ) ( وكذا إذا قال أنا زعيم به أو قبيل به ) لأن الزعامة هي الكفالة وقد روينا فيه . والقبيل هو الكفيل ، ولهذا سمي الصك قبالة ، بخلاف ما إذا قال أنا ضامن لمعرفته لأنه التزم المعرفة دون المطالبة .

التالي السابق


( قوله وتنعقد إذا قال تكفلت إلخ ) شروع في ذكر الألفاظ التي تثبت بها الكفالة ، وهي صريح وكناية ، فالصريح تكفلت وضمنت وزعيم وقبيل وحميل وعلي وإلي ولك عندي هذا الرحل وعلي أن أوفيك به أو علي أن ألقاك به أو دعه إلي ، وحميل بالحاء المهملة بمعنى كفيل به ، يقال حمل به حمالة بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع . وروي في الفائق " الحميل ضامن " وأما القبيل فهو أيضا بمعنى الكفيل ، ويقال قبل به قبالة بفتحها في الماضي وضمها وكسرها في المضارع ، وهذه الألفاظ توجب لزوم موجب الكفالة إذا أضيفت إلى جملة البدن أو ما يعبر به عن الجملة حقيقة في اللغة والعرف وما لا فلا على وزان الطلاق على ما مر مثل كفلت أو أنا حميل أو زعيم بنفسه أو رقبته أو روحه أو جسده أو رأسه أو بدنه أو وجهه ; لأن هذه يعبر بها حقيقة كالنفس والجسد والبدن وعرفا ولغة ومجازا كهو رأس وتحرير رقبة وتقدم في الطلاق ، ولم يذكر محمد رحمه الله ما إذا كفل بعينه . قال البلخي رحمه الله : لا يصح كما في الطلاق إلا أن ينوي به البدن . والذي يجب أن يصح في الكفالة والطلاق إذ العين مما يعبر به عن الكل ، يقال عين القوم وهو عين في الناس ولعله لم يكن معروفا في زمانهم أما في زماننا فلا شك في ذلك ، بخلاف ما لو قال بيده أو رجله ويتأتى في دمه ما تقدم في الطلاق ( وكذا ) [ ص: 167 ] إذا أضاف إلى جزء شائع منه ككفلت ( بنصفه أو ثلثه أو بجزء منه ; لأن النفس الواحدة في حق الكفالة لا تتجزأ فذكر بعضها شائعا كذكر كلها ) ووجه ضمنت ( بأنه تصريح ) بموجبه ( لأن موجب الكفالة لزوم الضمان في المال ) في أكثر الصور ( وعلى صيغة التزام وإلي في معناه قال صلى الله عليه وسلم من ترك كلا ) أي يتيما ( فإلي ) لأن العطف يقتضي المغايرة .

وقوله ( وقد روينا فيه ) اقتصر في بعض النسخ وفي بعضها الحديث يريد قوله صلى الله عليه وسلم { الزعيم غارم } في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلينا } وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن المقداد بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من ترك كلا فإلي ، ومن ترك مالا فلورثته ، وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه ، والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه } ورواه ابن حبان في صحيحه . وفي لفظ لأبي داود { وأنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، فمن ترك دينا أو ضيعة فإلي } ( بخلاف ما لو قال : أنا ضامن لمعرفته ) لا تثبت به الكفالة ( لأنه التزم المعرفة دون المطالبة ) وكذا بمعرفته وكذا أنا ضامن لك على أن أوقفك عليه أو على أن أدلك عليه أو على منزله ، ولو قال : أنا ضامن لتعريفه أو على تعريفه ففيه اختلاف المشايخ . والوجه أن يلزمه لأنه مصدر متعد إلى اثنين فقد التزم أن يعرفه الغريم ، بخلاف معرفته فإنه لا يقتضي إلا معرفة الكفيل للمطلوب . وعن نصير قال : سأل ابن محمد بن الحسن أبا سليمان الجوزجاني عن رجل قال لآخر : أنا ضامن لمعرفة فلان ، قال أبو سليمان : أما في قول أبي حنيفة وأبيك لا يلزمه شيء ، وأما أبو يوسف قال هذا على معاملة الناس وعرفهم .

قال الفقيه أبو الليث في النوازل : هذا القول عن أبي يوسف غير مشهور ، والظاهر ما عن أبي حنيفة ومحمد ، وفي خزانة الواقعات وبه يفتي : أي بظاهر الرواية ، لكن نص في المنتقى أن في قول أبي يوسف فيمن قال : أنا ضامن لك بمعرفة فلأن يلزمه ، وعلى هذا معاملة الناس . وفي فتاوى النسفي : لو قال الدين الذي لك على فلان أنا أدفعه إليك أو أسلمه إليك أو أقبضه لا يكون كفالة ما لم يتكلم بما يدل على الالتزام .

وفي الخلاصة عن متفرقات خاله قيده بما إذا قاله منجزا فلو معلقا يكون كفالة نحو أن يقول : إن لم يؤد فأنا أؤدي ، نظيره في النذر لو قال : أنا أحج لا يلزمه شيء ، ولو قال : إن دخلت الدار فأنا أحج يلزمه الحج




الخدمات العلمية