الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 207 ] قال ( ومن كفل عن رجل بألف عليه بأمره فقضاه الألف قبل أن يعطيه صاحب المال فليس له أن يرجع فيها ) لأنه تعلق به حق القابض على احتمال قضائه الدين فلا يجوز المطالبة ما بقي هذا الاحتمال ، كمن عجل زكاته ودفعها إلى الساعي ، [ ص: 208 ] ولأنه ملكه بالقبض على ما نذكر ، بخلاف ما إذا كان الدفع على وجه الرسالة لأنه تمحض أمانة في يده ( وإن ربح الكفيل فيه فهو لا يتصدق به ) لأنه ملكه حين قبضه ، أما إذا قضى الدين فظاهر ، وكذا إذا قضى المطلوب بنفسه وثبت له حق الاسترداد لأنه وجب له على المكفول عنه مثل ما وجب للطالب عليه ، إلا أنه أخرت المطالبة إلى وقت الأداء فنزل منزلة الدين المؤجل ، ولهذا لو أبرأ الكفيل المطلوب قبل أدائه يصح ، [ ص: 209 ] فكذا إذا قبضه يملكه إلا أن فيه نوع خبث نبينه فلا يعمل مع الملك فيما لا يتعين وقد قررناه في البيوع

التالي السابق


( قوله ومن كفل عن رجل بألف عليه بأمره فقضاه ) أي قضى الرجل المكفول عنه الكفيل ( الألف ) التي كفل بها ( قبل أن يعطيه ) أي قبل أن يعطي الكفيل الألف ( صاحب المال ) وذكر ضمير يعطيه على تأويل المال أو المكفول به لازم من قوله كفل عن رجل وصاحب المال مفعول أول ليعطي والمفعول الثاني هو ضمير المال المقدم في يعطيه ( فليس له ) أي ليس للرجل المكفول عنه ( أن يرجع فيها ) وهو وجه للشافعي .

وفي وجه آخر له أن يرجع وهو قول مالك وأحمد بناء على أنه أمانة عنده ما لم يقض الأصيل ، ونحن نبين أنه يملكه وأن الأمانة ما إذا كان دفعه إلى الكفيل على وجه الرسالة إلى الطالب ولو لم يملكه فقد تعلق به حقه ، وهذا الوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما المصنف ( لأنه تعلق به حق القابض على احتمال قضائه الدين فلا تجوز المطالبة ما بقي هذا الاحتمال ) إلحاقا بالزكاة المعجلة للساعي تعلق به حق القابض على احتمال أن يتم الحول والنصاب كامل فلم يجز استرداده شرعا ما بقي هذا الاحتمال ( و ) الوجه الثاني [ ص: 208 ] أنه ) أي القابض ( ملكه ) بالقبض على ما نذكر يريد ما ذكره بعد سطر في تعليل طيب الربح للكفيل لو عمل فيه فربح وهو قوله ( لأنه ملكه حين قبضه . أما إذا قضى الدين فظاهر ، وكذا لو قضى المطلوب بنفسه )

الدين ولم يقض الكفيل ( وثبت ) للمطلوب ( الاسترداد ) بما دفع للكفيل ، وإنما حكمنا بثبوت ملكه إذا قضى الأصيل بنفسه ( لأنه ) أي الكفيل ( وجب له ) بمجرد الكفالة ( على الأصيل مثل ما وجب للطالب ) على الكفيل وهو المطالبة ( إلا ) أي لكن ( أخرت مطالبة الكفيل إلى أدائه فنزل ) ما للكفيل على الأصيل ( بمنزلة الدين المؤجل ) ولو عجل المديون الدين المؤجل ملكه الدائن بقبضه فكذا هذا ( ولهذا ) أي والدليل أن للكفيل حق المطالبة متأخرا أنه ( لو أبرأ الكفيل الأصيل قبل أدائه ) أي قبل أداء الكفيل ( يصح ) حتى لا يرجع على الأصيل بعد ذلك إذا أدى [ ص: 209 ] وجاز أخذ الكفيل من الأصيل رهنا به قبل أدائه ( فكذا إذا قبضه يملكه ) يعني إذا كان بحيث يصح الإبراء منه كان بحيث يملكه إذا قبضه ، وإذا ملكه كان الربح له ( إلا ) أي لكن استثناء منقطع ( فيه نوع خبث ) على قول أبي حنيفة ( نبينه ) عن قريب ( فلا يعمل مع الملك فيمن لا يتعين ) وهو الألف التي قضاه إياها لأن الدراهم لا تتعين ( وقد قررناه في البيوع ) في آخر فصل في أحكامه .




الخدمات العلمية