الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا شهدا بألف وقال أحدهما قضاه منها خمسمائة قبلت شهادتهما بالألف ) لاتفاقهما عليه ( ولم يسمع قوله إن قضاه ) لأنه شهادة فرد ( إلا أن يشهد معه آخر ) وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يقضي بخمسمائة ، لأن شاهد القضاء مضمون شهادته أن لا دين إلا خمسمائة . وجوابه ما قلنا . قال ( وينبغي للشاهد ) إذا علم بذلك ( أن لا يشهد بألف حتى يقر المدعي أنه قبض خمسمائة ) كي لا يصير معينا على الظلم . [ ص: 442 ] ( وفي الجامع الصغير : رجلان شهدا على رجل بقرض ألف درهم فشهد أحدهما أنه قد قضاها ، فالشهادة جائزة على القرض ) لاتفاقهما عليه ، وتفرد أحدهما بالقضاء على ما بينا . وذكر الطحاوي عن أصحابنا أنه لا تقبل ، وهو قول زفر رحمه الله لأن المدعي أكذب شاهد القضاء . قلنا : هذا إكذاب في غير المشهود به الأول وهو القرض ومثله لا يمنع القبول .

التالي السابق


( قوله وإذا شهدا بألف ، وقال أحدهما قضاه منها خمسمائة قضى بالألف لقبول شهادتهما عليها ، ولم يسمع قوله إنه قضاه لأنه شهادة فرد ) بسقوط بعض الحق بعد ثبوته فلا تقبل ( إلا أن يشهد معه آخر وعن أبي يوسف ) رحمه الله في غير المشهور عنه ( أنه يقضى بخمسمائة ) فقط ( لأن شاهد القضاء مضمون شهادته أن الدين ليس إلا خمسمائة . وجوابه ما قلنا ) يعني قوله لاتفاقهما عليه ، يعني فبعد ثبوت الألف باتفاقهما شهد واحد بسقوط خمسمائة فلا تقبل ، بخلاف ما لو شهد بألف وقال أحدهما إنه قضاه إياها بعد قرضه فإنه يقضى بالكل على قول الكل وعن أبي يوسف : لا تقبل شهادة شاهد القضاء ، وذكروا قول زفر كقول أبي يوسف في هذه الرواية فإنه إكذاب من المدعي فهو كما لو فسقه .

وجه الظاهر ما قدمناه من أنهما اتفقا وتفرد أحدهما إلى آخره ولا يلزم من الإكذاب التفسيق لجواز كونه تغليطا له ( قال ) القدوري ( وينبغي للشاهد إذا علم بذلك ) أي بقضاء الخمسمائة ( أن لا يشهد حتى يعترف المدعي بقبضها ) لأنه لو شهد فإما بالألف ثم يقول قضاه منها خمسمائة وعلمت أنه يقضى فيه بألف فيضيع حق المدعى عليه . وإما بخمسمائة يثبت اختلافهما إذا شهد أحدهما بألف والآخر بخمسمائة ، وفيه لا تقبل الشهادة أصلا على قول [ ص: 442 ] أبي حنيفة فيضيع حق المدعي .

فالوجه أن لا يشهد الذي عرف القضاء حتى يعترف بالقدر الذي سقط عن المدعى عليه ، والمراد هنا من لفظ لا ينبغي لا يحل نص عليه في جامع أبي الليث ، ومن هذا النوع : رجل أقر عند قوم أن لفلان عليه كذا فبعد مدة جاء رجلان أو أكثر إلى القوم فقالوا لا تشهدوا على فلان بذلك الدين فإنه قضاه كله فالشهود بالخيار إن شاءوا امتنعوا عن الشهادة وإن شاءوا أخبروا الحاكم بشهادة الذين أخبروهم بالقضاء ، فإن كان المخبرون عدولا لا يقضي القاضي بالمال ، هذا قول الفقيه أبي جعفر وأبي نصر محمد بن سلام ، لو شهد عندهم واحد لا يسعهم أن يدعوا الشهادة ، وكذا إذا حضروا بيع رجل أو نكاحه أو قتله فلما أرادوا أداء الشهادة شهد عندهم بطلاق الزوج ثلاثا أو قيل عاينا امرأة أرضعتهما أو أعتق العبد قبل أن يبيعه أو عفا عنه الولي إن كان واحدا شهدوا أو اثنين لا يسعهم أن يشهدوا ، وكذا لو رأى عينا في يد رجل يتصرف فيها تصرف الملاك فأراد أن يشهد بالملك له فأخبره عدلان أن الملك للثاني لا يسعه بالملك للأول ، ولو أخبراه أنه باعه من ذي اليد له أن يشهد بما علم ولا يلتفت إلى قولهما .

هذا وإنما نص على مسألة الجامع بعد مسألة القدوري لأنه قد يتوهم أن تفريعها عليها على رواية أبي يوسف التي نقلها يقضى أنه لو شهد أحدهما بألف فقال أحدهما قضاه إياها أن لا يقضى بشيء على رواية أبي يوسف فذكرها للإعلام بالفرق .

وقيل لأنه قد كان لقاتل أن يقول في مسألة الجامع لا تقبل شهادة شاهد القضاء على وجوب المال متقدما لأن في المسألة الأولى للشاهد أن يقول : أنا تحملت الشهادة وأحتاج إلى الخروج منها وقد قضاه خمسمائة ولكني أشهد كما أشهدت عليه وهو ألف ، فإذا ظهرت شهادته مع الآخر بها قضي له بالألف . أما في مسألة الجامع فالشاهد يذكر أن الشهادة سقطت عنه وليس علي أداؤها فشهادتي باطلة فلا يقضي بالألف ، فرواية الجامع الصغير أزالت هذه الشبهة وأثبتت جواز الشهادة .

واستروح في النهاية فقال : التفاوت بين مسألة الجامع والمسألة التي قبلها أن في مسألة الجامع أحد الشاهدين شهد بقضاء المديون كل الدين وفي التي [ ص: 443 ] قبلها شهد بقضاء بعض الدين .




الخدمات العلمية