الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا قصاص ) في جميع الشجاج ( إلا في الموضحة عمدا ) وما لا قود فيه يستوي العمد والخطأ فيه ، لكن ظاهر المذهب وجوب القصاص فيما قبل الموضحة أيضا ذكره محمد في الأصل ، وهو الأصح درر ومجتبى وابن الكمال وغيرها لإمكان المساواة ، بأن يسبر غورها بمسبار ثم يتخذ حديدة بقدرة فيقطع واستثنى في الشرنبلالية السمحاق فلا يقاد إجماعا كما لا قود فيما بعدها كالهاشمة والمنقلة بالإجماع وعزاه للجوهرة فليحفظ .

قال في المجتبى : ولا قود في جلد رأس وبدن ولحم خد وبطن وظهر [ ص: 583 ] ولا في لطمة ووكزة ووجاءة وفي سلخ جلد الوجه كمال الدية ( وفي ) كل أصابع اليد الواحدة نصف دية ولو مع الكف ( لأنه تبع للأصابع ) ومع نصف ساعد نصف دية ( للكف ) وحكومة عدل لنصف الساعد وكذا الساق ( وفي ) قطع ( كف وفيه أصبع أو أصبعان عشرها أو خمسها ) لف ونشر مرتب ( ولا شيء في الكف ) عند أبي حنيفة كما لو كان في الكف ثلاث أصابع ، فإنه لا شيء في الكف إجماعا ، إذ للأكثر حكم الكل .

وفي جواهر الفتاوى : ضرب يد رجل و برئ إلا أنه لا تصل يده إلى قفاه فبقدر النقصان يؤخذ من جملة الدية إن نقص الثلثان فثلثا الدية وهكذا وأقره المصنف ، ولو قطع مفصلا من أصبع فشل الباقي أو قطع الأصابع فشل الكف لزم دية المقطوع فقط وسقط القصاص فافهمه [ ص: 584 ] وإن خالف الدرر ذكره الشرنبلالي وسيجيء متنا

التالي السابق


( قوله ولا قصاص في جميع الشجاج ) أي ما فوق الموضحة إجماعا وما دونها على الخلاف ط ( قوله إلا في الموضحة عمدا ) أي إذا لم يختل به عضو آخر فلو شج موضحة عمدا فذهبت عيناه فلا قصاص عنده فتجب الدية فيهما ، وقالا في الموضحة قصاص وفي البصر دية شرح المجمع عن الكافي ( قوله وجوب القصاص ) أي في العمد ( قوله وهو الأصح ) وفي الكافي هو الصحيح لظاهر قوله تعالى - { والجروح قصاص } - ويمكن اعتبار المساواة معراج وبه أخذ عامة المشايخ تتارخانية ( قوله بأن يسبر غورها ) السبر امتحان غور الجرح وغيره كالاستبار والغور القعر من كل شيء والسبار ككتاب والمسبار ما يسبر به الجرح قاموس ( قوله واستثنى في الشرنبلالية السمحاق ) حيث قال : إلا السمحاق فإنه لا قصاص فيه إجماعا لعدم المماثلة ; لأنه لا يقدر أن يشق حتى ينتهي إلى جلدة رقيقة فوق العظم ا هـ .

أقول : لكنه مخالف لما ذكره عامة شراح الهداية وغيرهم فإنهم صرحوا بأن ظاهر الرواية وجوب القصاص فيما قبل الموضحة وهو ستة من الحارصة إلى السمحاق ا هـ ( قوله كالهاشمة والمنقلة ) ; لأن فيهما كسر عظم فلا تمكن المساواة ، وكذا الآمة لغلبة الهلاك فيها ولا يخفى أن هذا عند عدم السراية ( قوله وعزاه للجوهرة ) وعزاه ط للبحر الزاخر ( قوله ولا قود في جلد رأس ) لعله على غير ظاهر الرواية وكذا يقال في لحم الخد أو يحمل في الرأس [ ص: 583 ] على السمحاق ، وأما جلد البدن ولحم البطن والظهر فقال في الهندية : والجراحات التي هي في غير الوجه والرأس فيها حكومة عدل إذا أوضحت العظم وكسرته إذا بقي لها أثر ، وإلا فعندهما لا شيء عليه وعند محمد يلزمه قيمة ما أنفق إلى أن يبرأ كذا في محيط السرخسي ا هـ ط ( قوله ولا في لطمة ) اللطم ضرب الخد وصفحة الجسد بالكف مفتوحة ، والوكز الدفع والضرب بجمع الكف قاموس والوجء الضرب باليد وبالسكين قاموس قال ط : والمراد ضربه باليد ; لأن الوجء بالسكين داخل في الجراحات فالثلاثة راجعة إلى الضرب باليد وما ذكره لا ينافي ثبوت التعزير ( قوله وفي سلخ الوجه كمال الدية ) ; لأن فيه تفويت الجمال على الكمال ( قوله نصف دية للكف ) أي مع الأصابع ( قوله وفيها أصبع ) غير قيد ; لأنه إذا لم يبق من الأصبع إلا مفصل واحد ففي ظاهر الرواية عند أبي حنيفة يجب فيه أرش ذلك المفصل ويجعل الكف تبعا له ; لأن أرش ذلك المفصل مقدر ، وما بقي شيء من الأصل وإن قل فلا حكم للتبع .

ثم اعلم أنه إذا قطع الكف ولا أصابع فيها ، قال أبو يوسف فيها حكومة العدل ، ولا يبلغ بها أرش أصبع ; لأن الأصبع الواحدة تتبعها الكف على قول أبي حنيفة فلا تبلغ قيمة التبع قيمة المتبوع كفاية ( قوله عند أبي حنيفة ) وعندهما ينظر إلى أرش الكف والأصبع فيكون عليه الأكثر ، ويدخل القليل في الكثير هداية ( قوله فإنه لا شيء في الكف ) بل عليه للأصابع ثلاثة أعشار الدية ( قوله إذا للأكثر حكم الكل ) أي في تبعية الكف للأصابع فكما يتبع الخمسة وهي الكل يتبع الثلاثة ، فلا يجب إلا دية الأصابع الثلاثة ، ولا شيء في الكف لتبعيته لها وهذا التعليل في الحقيقة إنما هو لقولهما أما عنده فالكف يتبع الأقل أيضا كما مر ( قوله فبقدر النقصان ) أي من قيمته لو فرض عبدا مع هذا العيب وبدونه على قياس ما مر تأمل ( قوله فشل الباقي ) أي من تلك الأصبع ( قوله لزم دية المقطوع فقط ) يعني دية الأصبع بتمامها في المسألة الأولى ودية الأصابع كلها في الثانية ، ولا شيء في الكف ; لأنه تبع كما مر وهذا معنى قوله فقط ، وليس المراد بالمقطوع في الأولى المفصل فقط كما قد يتوهم لما ذكره العلامة الواني عن الطحاوي والجامع الصغير البرهاني والقاضي خان أنه يجب دية الأصبع إذا شل الباقي من الأصبع ودية اليد إذا شلت اليد ا هـ

وفي النهاية : إذا قطع من أصبع مفصل واحد فشل الباقي من الأصبع أو الكف لا يجب القصاص ، ولكن تجب الدية فيما شل منه ، وإن كان أصبعا فدية الأصبع ، وإن كان كفا فدية الكف ، وهذا بالإجماع ا هـ ونحوه في غاية البيان ، وهذا إذا لم ينتفع بما بقي وإلا ففيه حكومة عدل قال الزيلعي : قطع الأصبع من المفصل الأعلى فشل ما بقي منها يكتفى بأرش واحد إن لم ينتفع بما بقي ، وإن كان ينتفع به تجب دية المقطوع ، وتجب حكومة عدل في الباقي بالإجماع ، وكذا إذا كسر نصف السن واسود ما بقي أو اصفر أو احمر تجب دية السن كله ا هـ وذكر الشرنبلالي أن المراد بقول الزيلعي يكتفى بأرش واحد أرش أصبع بدليل قوله : وكذا إذا كسر السن إلخ [ ص: 584 ] قوله وإن خالف الدرر ) حيث قال : تجب دية المفصل فقط إن لم ينتفع بما بقي والحكومة فيما بقي إن انتفع به ا هـ فإن الصواب أن يقول دية الأصبع وكأنه أوهمته عبارة الزيلعي المارة وقد علمت المراد بها فافهم ( قوله وسيجيء ) أي بعد أسطر




الخدمات العلمية