الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                894 ص: حدثنا محمد بن النعمان السقطي ، قال: ثنا يحيى بن يحيى النيسابوري ، قال: ثنا أبو عمر البزار . عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " ما من مسلم يقول إذا سمع النداء فيكبر المنادي فيكبر ، ثم يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأن محمدا رسول الله، فيشهد على ذلك ثم يقول: اللهم أعط محمدا الوسيلة واجعله في الأعلين درجته، وفي المصطفين محبته، وفي المقربين ذكره. إلا وجبت له شفاعة مني يوم القيامة" .

                                                [ ص: 122 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 122 ] ش: يحيى النيسابوري شيخ البخاري ومسلم ، وأبو عمر البزار. اسمه حفص بن سليمان الأسدي ويعرف بحفيص ، ضعيف جدا حتى كذبه بعضهم، ولكن كان ثبتا في القراءة، والبزار - بالباء الموحدة المفتوحة وتشديد الزاي المعجمة وفي آخره زاي معجمة - وقيس بن مسلم الجدلي العدواني أحد مشايخ أبي حنيفة روى له الجماعة، وطارق بن شهاب بن عبد شمس البجلي الأحمسي .

                                                وأخرجه الطبراني : ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أبو كريب نا عثمان بن سعيد نا أبو عمر حفص ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن عبد الله ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يقول حين يسمع النداء بالصلاة فكبر، فيكبر ويشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمدا رسول الله، ثم يقول: اللهم أعط محمدا الوسيلة والفضيلة، واجعله في الأعلين درجته وفي المصطفين محبته وفي المقربين ذكره إلا وجبت له الشفاعة يوم القيامة" .

                                                قوله: "إذا سمع النداء" أي الأذان.

                                                قوله: "الوسيلة" قد فسرها في الحديث أنها منزلة في الجنة، وقد مر الكلام فيه عن قريب.

                                                قوله: "واجعله في الأعلين درجته" أي اجعل له في الأعلين درجته، وهو جمع أعلى وقد علم أن الجمع بالواو والنون، يكون في الصفات والأعلام التي للعقلاء، ولا شك أن "أعلى" ها هنا صفة من يعقل لأن المراد منهم الأنبياء المقربون والملائكة المقربون -عليه السلام-، فجمع بالواو والنون، تقول: أعلون. كما في قوله تعالى: وأنتم الأعلون ثم يكون إعرابه كإعراب سائر المجموع المصححة، وهو أن يكون بالواو حالة الرفع، وبالياء حالة النصب والجر.

                                                [ ص: 123 ] فإن قيل: فعلى ما ذكرت تكون درجة النبي -عليه السلام- في جملة درجات الأعلين فلا يحصل له مزية على غيره.

                                                قلت: كلمة "في" ها هنا بمعنى "على" كما في قوله تعالى: ولأصلبنكم في جذوع النخل أي: على جذوع النخل، والمضاف محذوف، وتقدير الكلام: واجعل له درجته على درجات الأعلين. ويمكن أن يكون هذا جمع أعلى الذي هو المكان الأعلى من غيره، ويكون جمعه كجمع أدنون ونحوه، ويكون المعنى حينئذ: اجعل له درجته على الأماكن العالية التي ليس عليها مكان لأحد. فإن قيل: شرط هذا الجمع أن يكون فيه ضمة قبل الواو في حالة الرفع، وكسرة قبل الياء في حالة الجر والنصب، وها هنا ليس كذلك؛ لأن "اللام" من الأعلين مفتوحة، والحال أنه مجرور.

                                                قلت: هذا مكسور وحكمه أن تكون الضمة والكسرة مقدرتين في حالتي الجر والنصب في الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، فافهم.

                                                قوله: "وفي المصطفين" بفتح الفاء وهو جمع مصطفى فهو أيضا يكون بالواو حالة الرفع وبالياء حالتي النصب والجر، تقول: جاءني المصطفون، ورأيت المصطفين ومررت بالمصطفين. فالكسرة التي يجب أن تكون قبل الياء في الحالتين مقدرة ها هنا أيضا كما في الأعلين، والمصطفى المختار، من الصفوة، وأصله مصتفى بالتاء ولكنها قلبت طاء لأن "الصاد" من المجهورة، و: "التاء" من المهموسة فلا يتفقان.

                                                وفيه: استحباب هذا الدعاء عند تشهد المؤذن في أذانه ، وإثبات الشفاعة ردا على من أنكرها، وجواز دعاء أحد لأحد والطلب له من الله تعالى ما يليق له من الفضائل والفواضل.



                                                الخدمات العلمية