الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1045 ص: وقد قال بذلك أيضا جلة من أصحاب رسول الله -عليه السلام-.

                                                حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا عفان ، قال: ثنا وهيب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، [ ص: 345 ] عن أبي بن كعب قال: " صلاة الوسطى هي صلاة العصر" .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا عفان ، عن همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مثله.

                                                حدثنا ربيع الجيزي ، قال: ثنا يعقوب بن عباد ، قال: ثنا إبراهيم بن طهمان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي -رضي الله عنه - مثله.

                                                حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا خطاب بن عثمان ، قال: ثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبد الرحمن بن لبيبة الطائفي : "أنه سأل أبا هريرة عن الصلاة الوسطى، فقال: سأقرأ عليك القرآن حتى تعرفها، أليس يقول الله - عز وجل - في كتابه: أقم الصلاة لدلوك الشمس الظهر إلى غسق الليل المغرب ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم العتمة، ويقول: إن قرآن الفجر كان مشهودا الصبح، وقال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين هي العصر هي العصر" .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد قال بأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر أكابر من الصحابة -رضي الله عنهم-.

                                                والجلة - بكسر الجيم وتشديد اللام - جمع جليل، بمعنى عظيم، وجل كل شيء معظمه.

                                                وقد أخرج منهم عن أربعة أنفس وهم: أبي بن كعب ، وأبو سعيد الخدري ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو هريرة -رضي الله عنهم-.

                                                فأما أثر أبي فأخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عفان بن مسلم الصفار ، عن وهيب بن خالد البصري ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، عن أبي .

                                                [ ص: 346 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: عن وهيب ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن أبي بن كعب قال: "صلاة الوسطى صلاة العصر" .

                                                وأما أثر أبي سعيد الخدري فأخرجه أيضا بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عفان ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي سعيد الخدري .

                                                وأما أثر علي فأخرجه: عن ربيع بن سليمان الجيزي ، عن يعقوب بن أبي عباد العبدي البصري ، وثقه ابن يونس ، عن إبراهيم بن طهمان الخراساني الهروي روى له الجماعة، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، روى له الجماعة، عن الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الكوفي فيه مقال كثير، عن علي .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي : "صلاة الوسطى صلاة العصر" .

                                                وقال ابن حزم في "المحلى": لا يصح عن علي -رضي الله عنه - غير هذا.

                                                وأما أثر أبي هريرة فأخرجه: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن خطاب بن عثمان الطائي الفوزي الحمصي ، أحد مشايخ البخاري ، عن إسماعيل بن عياش بن سليم الشامي الحمصي ، فيه مقال؛ ضعفه النسائي ، ووثقه الفسوي ، وقال ابن خزيمة : لا يحتج به. وروى له الأربعة.

                                                عن عبد الله بن عثمان بن خثيم القارئ أبي عثمان المكي ، روى له الجماعة.

                                                البخاري مستشهدا عن عبد الرحمن بن لبيبة وهو عبد الرحمن بن نافع الطائفي ، ولبيبة اسم أمه، ذكره ابن حبان في الثقات من التابعين.

                                                وأخرجه الطبري مختصرا: حدثني المثنى ، ثنا سويد ، أنا ابن المبارك ، عن [ ص: 347 ] معمر ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن ابن لبيبة ، عن أبي هريرة : "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى؛ ألا وهي العصر، ألا وهي العصر" .

                                                وأخرجه ابن حزم في "المحلى": مطولا. قال: وروينا من طريق إسماعيل بن إسحاق ، نا علي بن عبد الله - هو ابن المديني - نا بشر بن المفضل ، نا عبد الله بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن نافع : "أن أبا هريرة سئل عن الصلاة الوسطى، فقال للذي سأله: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قال: فإني سأقرأها عليك بها القرآن حتى تفهمها، قال الله - عز وجل -..." إلى آخر ما ذكره الطحاوي .

                                                قوله: "لدلوك الشمس: الظهر" أراد أن بدلوك الشمس يدخل وقت الظهر؛ لأن دلوكها زوالها عن كبد السماء، وذلك كما روي عن النبي -عليه السلام- أنه قال: "أتاني جبريل -عليه السلام - لدلوك الشمس حين زالت الشمس، فصلى بي الظهر" .

                                                وروي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "دلوك الشمس: غروبها" .

                                                رواه الطبراني : بإسناده عنه.

                                                قوله: "إلى غسق الليل المغرب" أراد أن بغسوق الليل يدخل وقت المغرب، والغسق: الظلمة.

                                                وروى الطبراني في "الكبير": ثنا الحسين بن إسحاق ، ثنا يحيى الحماني ، ثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال: "كنا مع عبد الله في طريق مكة ، فلما غربت الشمس قال: هذا غسق الليل، ثم أذن، ثم قال: هذا والله - الذي لا إله إلا هو - وقت هذه الصلاة" .

                                                قوله: "ثلاث عورات لكم" أراد بثلاث عورات: ثلاثة أحوال، أمر الله فيها بأن يستأذن العبيد ، وقيل: العبيد والإماء، والأطفال الذين لم يحتلموا من الأحرار.

                                                [ ص: 348 ] الأولى: قبل صلاة الفجر؛ لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة.

                                                الثانية: بالظهيرة؛ لأنها وقت وضع الثياب للقائلة.

                                                الثالثة: بعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم، وسمى الله كل واحدة من هذه الأحوال عورة؛ لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها.

                                                والعورة: الخلل. أعور الفارس وأعور المكان، والأعور: المختل العين.

                                                قوله: "العتمة" أراد بها وقت صلاة العشاء.

                                                قوله: "إن قرآن الفجر" أراد صلاة الفجر، سميت قرآنا وهو القراءة؛ لأنها ركن، كما سميت ركوعا وسجودا وقنوتا.

                                                قوله: "مشهودا" يعني تشهده ملائكة الليل والنهار، أو يشهده الكثير من المصلين في العادة، أو من حقه أن يكون مشهودا بالجماعة الكثيرة.

                                                قوله: "هي العصر هي العصر" مكرر، كرره أبو هريرة للتأكيد.




                                                الخدمات العلمية