الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1037 ص: حدثنا علي بن معبد ، قال: ثنا معلى بن منصور ، قال: ثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن النبي -عليه السلام- غزا غزوا فلم يرجع منه حتى مسى لصلاة العصر عن الوقت الذي كان يصلي فيه..." ثم ذكر نحوه.

                                                حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال: ثنا سعدويه ، عن عباد ، عن هلال ... فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال: أنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ، قال: حدثني أبي، قال: حدثني ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "أنه قال يوم الخندق ..." ثم ذكر مثله.

                                                قال أبو جعفر - رحمه الله -: فهذا ابن عباس يخبر عن النبي -عليه السلام-: أنها صلاة العصر ، فكيف يجوز أن يقبل عنه من رأيه ويخالف ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا إلى أنه روي عن ابن عباس أيضا مثل ما روي عن علي وابن مسعود .

                                                وأخرجه من ثلاث طرق: الأولان صحيحان والثالث فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فيه مقال.

                                                الأول: عن علي بن معبد بن نوح ، عن معلى بن منصور الرازي من أصحاب أبي حنيفة ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري ، عن هلال بن خباب - بالخاء المعجمة وبتشديد الباء الموحدة – العبدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.

                                                [ ص: 338 ] وأخرج الطبري في "تفسيره": ثنا علي بن مسلم الطوسي ، ثنا عباد بن العوام ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "حبس المشركون النبي -عليه السلام- عن صلاة العصر في غزاة له حتى تمسى بها، فقال: اللهم املأ بيوتهم وأجوافهم نارا كما حبسونا عن الصلاة الوسطى" . وفي لفظ: "قال يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس" .

                                                قوله: "حتى مسى" يعني دخل في المساء، وكذلك أمسى.

                                                قوله: "لصلاة العصر" أي: لأجل وقت صلاة العصر، و: "اللام" تأتي للوقت، وأراد بالوقت الذي تصلى فيه قبل اصفرار الشمس.

                                                الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعدويه وهو سعد بن سليمان الواسطي ، فالمحدثون يقولون سعدويه - بضم الدال وسكون الواو - وعند النحاة هو مثل سيبويه ونفطويه - بفتح الدال والواو -، وكذا الخلاف في زنجويه .

                                                وهو يروي عن عباد بن العوام الكلابي أبي سهل الواسطي من رجال الجماعة، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .

                                                الثالث: عن محمد بن علي بن داود المعروف بابن أخت غزال ، وثقه ابن يونس .

                                                عن محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي ، وثقه ابن حبان .

                                                عن أبيه عمران بن محمد الأنصاري ، عن أبيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي فيه مقال، عن الحكم بن عتيبة ، عن مقسم بن بجرة - بفتح الباء الموحدة والجيم والراء، ويقال: بضم الباء وسكون الجيم، ويقال: ابن نجدة بالنون والجيم - مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل ، ويقال: مولى ابن عباس بلزومه له، روى له الجماعة سوى مسلم .

                                                [ ص: 339 ] وعن سعيد بن جبير ، كلاهما عن ابن عباس .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير": ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ، ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن النبي -عليه السلام- قال يوم الخندق : "شغلونا عن الصلاة الوسطى؛ ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا" .

                                                ثم إن حديث ابن عباس هذا يرد ما روي عنه من رأيه من أن الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح، على ما مر فيما مضى، وكيف لا يرد هذا وقد روى هو عن النبي -عليه السلام- أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، وهذا معنى قوله: "فهذا ابن عباس يخبر عن النبي -عليه السلام-..." إلى آخره.

                                                فهذا الحديث كما ترى أخرجه الطحاوي عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وفي الباب عن أم حبيبة ، وأم سلمة ، وحذيفة ، وجابر ، وأنس -رضي الله عنهم-.

                                                فحديث أم حبيبة عند الطبري : ثنا ابن المثنى ، ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سفيان ، عن أبي الضحى ، عن شتير بن شكل ، عن أم حبيبة -رضي الله عنها- عن النبي -عليه السلام- أنه قال يوم الخندق : "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس" .

                                                وحديث أم سلمة عند الطبراني في "الكبير": بإسناده عنها قالت: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر؛ ملأ الله أجوافهم وقلوبهم نارا" . وفي إسناده مسلم الملائي الأعور وهو ضعيف.

                                                [ ص: 340 ] وحديث حذيفة -رضي الله عنه- عند البزار : بإسناد صحيح عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى؛ ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا" .

                                                وحديث جابر -رضي الله عنه- عند البزار : أيضا بإسناد صحيح عنه، أن النبي -عليه السلام- قال يوم الخندق : "ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس" .

                                                وحديث أنس -رضي الله عنه- عند إسماعيل بن أبي زياد الشامي في "تفسيره" من حديث أبان ، عن أنس ، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "شغلونا عن صلاة العصر التي غفل عنها سليمان بن داود -عليه السلام - حتى توارت بالحجاب" .




                                                الخدمات العلمية