الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 57 ] الباب الثاني في مسقطات النفقة

                                                                                                                                                                        للباب مقدمة وأصل ، أما المقدمة ، فلا خلاف أن وقت وجوب تسليم النفقة صبيحة كل يوم ، والكسوة أول كل صيف وشتاء كما سبق ، وذلك بعد حصول التمكين ، وأما وقت ثبوتها في الذمة ، فللنفقة تعلق بالعقد والتمكين ، فإنها لا تجب قبل العقد ، ولكن تسقط بالنشوز ، وفيما تجب به قولان : القديم : تجب بالعقد كالمهر ، ولا تتوقف على التمكين بدليل وجوبها للمريضة والرتقاء ، لكن لو نشزت سقطت فالعقد موجب ، والنشوز مسقط ، وإذا حصل التمكين ، استقر الواجب يوما فيوما كالأجرة المعجلة ، إلا أن الأجرة يجب تسليمها بالعقد جملة للعلم بها ، والنفقة غير معلومة الجملة ، والجديد الأظهر : أنها لا تجب بالعقد ، بل بالتمكين يوما فيوما ، فلو اختلفا ، فقالت : مكنت من وقت كذا . وأنكر الزوج ولا بينة ، فإن قلنا بالجديد ، فالقول قول الزوج ، وإلا فقولها ، لأن الأصل بقاء ما وجب بالعقد ، وقيل : القول قوله قطعا . ولو اتفقا على التمكين ، وقال : أديت نفقة المدة الماضية ، وأنكرت ، فالقول قولها ، سواء كان الزوج حاضرا عندها أم غائبا ، ولو لم يطالبها الزوج بالزفاف ، ولم تمتنع هي منه ، ولا عرضت نفسها عليه ، ومضت على ذلك مدة ، فإن قلنا بالقديم ، وجبت نفقة تلك المدة ، وإن قلنا بالجديد ، فلا . ولو توافقا على التمكين ، وادعى أنها بعده نشزت ، وأنكرت ، فالصحيح أن القول قولها ، لأن الأصل البراءة ، قال الأصحاب : إذا سلمت نفسها [ ص: 58 ] إلى الزوج ، فعليه النفقة من وقت التسليم . ولو بعثت إليه : إني مسلمة نفسي ، فعليه النفقة من حين بلغه الخبر ، فإن كان غائبا ، رفعت الأمر إلى الحاكم ، وأظهرت له التسليم والطاعة ، ليكتب إلى حاكم بلد الزوج ، فيحضره ، ويعلمه الحال ، فإن سار إليها عند إعلامه ، أو بعث إليها وكيله فتسلمها ، وجبت النفقة من حين التسليم ، وإن لم يفعل ومضى زمن الوصول إليها ، فرض القاضي نفقتها في ماله ، وجعل كالمتسلم ، لأن الامتناع منه . قال المتولي : فإن لم يعرف موضعه ، كتب الحاكم إلى حكام البلاد التي تردها القوافل من تلك البلدة في العادة ليطلب وينادى باسمه ، فإن لم يظهر ، فرض القاضي نفقتها في ماله الحاضر ، وأخذ منها كفيلا بما يصرف إليها لاحتمال وفاته وطلاقه ، ومن الأصحاب من لم يتعرض للرفع إلى القاضي ولا لكتابه ، وقال : تجب النفقة من حين تصله ، ويمضي زمن إمكان القدوم عليها ، وكذا ذكره البغوي . أما إذا لم تعرض نفسها على الزوج الحاضر ، أو الغائب ، ولا بعثت إليه ، فلا نفقة لها وإن طالت المدة تفريعا على الجديد ، ولا تؤثر غيبة الزوج بعد التسليم ما دامت مقيمة على الطاعة . وإن طالت المدة ، هذا كله إذا كانت عاقلة بالغة ، فأما المراهقة والمجنونة ، فلا اعتبار بعرضهما ، وبذلهما الطاعة ، وإنما الاعتبار فيهما بعرض الولي . ولو سلمت المراهقة نفسها ، فتسلمها الزوج ، ونقلها إلى داره ، وجبت النفقة ، وكذا لو سلمت الزوجة نفسها إلى الزوج المراهق بغير إذن الولي ، وجبت النفقة بخلاف تسليم المبيع إلى المراهق ، لأن المقصود هناك أن تصير اليد للمشتري ، واليد في عقد المراهق للولي لا له .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية