الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية

                                                                                        ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        3176 حدثنا بشر بن أبي بشر ، ثنا الوليد بن عبد الرحمن ، ثنا حيان بن البصري ، عن إسحاق بن نوح ، عن محمد بن علي ، عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل على أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، فقال : " يا أسامة ، إياك وكل كبد جائعة تخاصمك إلى الله تعالى يوم القيامة ، وإياك ودعاء عباد قد أذابوا اللحوم ، وحرقوا الجلود بالرياح والسمائم ، وأظمؤوا الأكباد حتى غشيت أبصارهم ، فإن شئت فانظر إليهم فتسر بهم الملائكة ، بهم تصرف الزلازل والفتن " ثم بكى حتى اشتد نحيبه ، ثم قال : " ويح لهذه الأمة ، ما تلقى منهم من أطاع ربه ، كيف يقتلونه ويكذبونه من أجل أنهم أطاعوا الله تبارك وتعالى " ؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله والناس يومئذ على الإسلام ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " نعم " . قال : ففيم إذا يقتتلون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عمر ترك القوم الطريق وركبوا الدواب ، ولبسوا ألين الثياب ، وخدمتهم أبناء فارس ، تتزين لهم تزين المرأة لزوجها ، فإذا تكلم أولياء الله تعالى عليهم العباء محنية أصلابهم ، قد ذبحوا أنفسهم بالعطش ، فإذا تكلم منهم متكلم كذب ، وقيل له : أنت قرين الشيطان ورأس الضلالة ، تحرم زينة الله تعالى ، والطيبات من الرزق ، يتلون كتاب الله تعالى على غير دين ، استذلوا أولياء الله ، واعلم يا أسامة أن أقرب الناس من الله تعالى يوم القيامة لمن طال حزنه ، وعطشه ، وجوعه في الدنيا ، الأصفياء الأبرار الذين إذا شهدوا لم يقربوا ، وإذا غابوا لم يفتقدوا ، تعرفهم بقاع الأرض ، يعرفون في أهل السماء ، ويخفون على أهل الأرض ، وتحف بهم الملائكة ، ينعم الناس ، وينعموا هم بالجوع [ ص: 299 ] والعطش ، لبس الناس لين الثياب ولبسوا هم أخشن الثياب ، افترش الناس الفرش ، وافترشوا هم الجباه والركب ، ضحك الناس وبكوا ، يا أسامة لا يجمع الله عز وجل عليهم الشدة في الدنيا والآخرة لهم الجنة ، يا ليتني قد رأيتهم يا أسامة ؟ لهم البشرى في الآخرة ، والأرض بهم رحيمة ، والجبار عنهم راض ، ضيع الناس فعل النبيين وأخلاقهم وحفظوا هم ، الراغب من رغب إلى الله تعالى في مثل رغبتهم ، والخاسر من خالفهم ، تبكي الأرض إذا فقدتهم ، ويسخط الله تعالى على كل بلدة ليس فيها مثلهم ، يا أسامة وإذا رأيتهم في قرية فاعلم أنهم أمان لتلك القرية ، لا يعذب الله تعالى قوما هم فيهم ، اتخذهم لنفسك عسى أن تنجو بهم ، وإياك أن تدع ما هم عليه فتزل قدمك ، فتهوي في النار ، حرموا حلال ما أحل الله لهم ، طلبوا الفضل من الآخرة ، وتركوا الطعام والشراب عن قدرة ، لم يتكلبوا على الدنيا تكلب الكلاب على الجيف ، شغل الناس بالدنيا وشغلوا أنفسهم بطاعة الله تبارك وتعالى ، لبسوا الخرق وأكلوا الفلق ، تراهم شعثا غبرا ، يظن الناس أن بهم داء وما ذاك بهم ، ويظن الناس أن عقولهم ذهبت ، وما ذهبت ، ولكن نظروا بقلوبهم إلى من ذهب بعقولهم عن الدنيا فهم في الدنيا عند أهل الدنيا يمشون بلا عقول . يا أسامة عقلوا حين ذهبت عقول الناس ; لهم البشرى في الآخرة " .

                                                                                        [ ص: 300 ] [ ص: 301 ] [ ص: 302 ] [ ص: 303 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية